تَرْغِيبًا وَفَضْلًا، وَكَذَلِكَ غَرَّ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى حِذْقُهُ وَنَبَاهَتُهُ فَرَوَى عَنْهُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، لَكِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي حُكْمٍ أَفْرَدَهُ بِهِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ لِعَبْدِ الْكَرِيمِ هَذَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَمُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ مَا رَوَى لَهُ إِلَّا قَلِيلًا، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
(أَنَّهُ قَالَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ) أَيْ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ شَرَائِعُ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي أُولَاهَا ثُمَّ تَتَابَعَتْ بَقِيَّتُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْسَخْ فِيمَا نُسِخَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أُطْبِقَتْ عَلَيْهِ الْعُقُولُ ( «إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَفْظُهُ أَمْرٌ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَيَاءٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيَسْتَفِضِ الْخَنَازِيرَ» " وَقَالَ أَبُو دُلَفٍ: إِذَا لَمْ تَصُنْ عِرْضًا وَلَمْ تَخْشَ خَالِقًا وَتَسْتَحِي مَخْلُوقًا فَمَا شِئْتَ فَاصْنَعْ
وَفِيهِ مَعْنَى التَّحْذِيرِ وَالْوَعِيدِ عَلَى قِلَّةِ الْحَيَاءِ.
وَمِنْهُ أَخْذُ الْقَائِلِ: إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي وَلَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ شَرْعًا فَافْعَلْهُ وَلَا عَلَيْكَ مِنَ النَّاسِ.
قَالَ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَالْمَشْهُورُ مَخْرَجُهُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْفُصَحَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» " وَرَوَاهُ بِلَفْظِ: فَافْعَلْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْأُولَى.
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: النَّاسُ بِالرَّفْعِ فِي جَمْعِ الطُّرُقِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ مِمَّا بَلَغَ النَّاسُ، قَالَ: وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَوْ هُوَ لِلتَّهْدِيدِ، أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ، أَوْ مَعْنَاهُ انْظُرْ إِلَى مَا تُرِيدُ فِعْلُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ فَافْعَلْهُ وَإِلَّا فَدَعْهُ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا لَمْ تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ لَا تَسْتَحِيَ مِنْهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَافْعَلْهُ وَلَا تُبَالِ بِالْخَلْقِ، أَوِ الْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى الْحَيَاءِ وَالتَّنْوِيهِ بِفَضْلِهِ أَيْ لَمَّا لَمْ يَجُزْ صُنْعُ جَمِيعِ مَا شِئْتَ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الِاسْتِحْيَاءِ.
(وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ) وَقَوْلُهُ: (يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي هَيْئَةِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
قَالَهُ أَبُو عُمَرَ فِي التَّقَصِّي: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ لِذَلِكَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْمَذْهَبُ وَضْعَهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ