للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ ( «تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ» ) أَيْ تَسْتَغْفِرُ لَهُ، قِيلَ عَبَّرَ بِتُصَلِّي لِيَتَنَاسَبَ الْجَزَاءُ وَالْعَمَلُ ( «مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ» ) صَلَاةً تَامَّةً لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: " «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» " قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ مُصَلَّاهُ انْقَضَى ذَلِكَ، لَكِنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ بَعْدَهُ أَنَّ لِلْمُنْتَظِرِ حُكْمُ الْمُصَلِّي سَوَاءٌ بَقِيَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَمْ تَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِهِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: فِي مُصَلَّاهُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِلصَّلَاةِ لَا الْمَوْضِعِ الْخَاصِّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَوَّلًا فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، قَالَهُ فِي الْفَتْحِ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمُصَلَّاهُ الْمَكَانُ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَكَأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ قَامَ إِلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى مِنَ الْمَسْجِدِ مُسْتَمِرًّا عَلَى نِيَّةِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ كَانَ كَذَلِكَ انْتَهَى.

بَلْ فِي الِاسْتِذْكَارِ مُصَلَّاهُ الْمَسْجِدُ وَهَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ فِي مَعْنَى انْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ قَعَدَتِ امْرَأَةٌ فِي مُصَلَّى بَيْتِهَا تَنْتَظِرُ وَقْتَ صَلَاةٍ أُخْرَى لَمْ يَبْعُدْ أَنْ تَدَخُلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَنِ التَّصَرُّفِ رَغْبَةً فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ رِبَاطٌ لِأَنَّ الْمُرَابِطَ حَبَسَ نَفْسَهُ عَنِ الْمَكَاسِبِ وَالتَّصَرُّفِ إِرْصَادًا لِلْعَدُوِّ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ عَنِ الْمَبْسُوطِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى جَمَاعَةً ثُمَّ قَعَدَ بِمَوْضِعِهِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى أَتَرَاهُ فِي صَلَاةٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَيَبْطُلُ ذَلِكَ وَلَوِ اسْتَمَرَّ جَالِسًا.

وَفِيهِ أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَسْجِدِ أَشَدُّ مِنَ النُّخَامَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا كَفَّارَةً وَهِيَ دَفْنُهَا وَلَمْ يُذْكَرْ هُنَا كَفَّارَةٌ بَلْ عُومِلَ صَاحِبُهُ بِحِرْمَانِ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ.

(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) عَلَى إِضْمَارِ قَائِلِينَ أَوْ تَقُولُ: وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو عُمَرَ: بَيَّنَ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: ٥] (سُورَةُ الشُّورَى: الْآيَةُ ٥) ، وَقِيلَ: السِّرُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يَطَّلِعُونَ عَلَى أَحْوَالِ بَنِي آدَمَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْخَلَلِ فِي الطَّاعَةِ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَوَّضُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الثَّوَابِ، وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ وَدُعَائِهِمْ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ وَعَلَى تَفْضِيلِ صَالِحِي النَّاسِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّهُمْ فِي تَحْصِيلِ الدَّرَجَاتِ بِعِبَادَتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ مَشْغُولُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى قَوْلَهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ إِلَّا الْإِحْدَاثَ الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>