وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ فِيهِمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا»
ــ
٤٠٣ - ٤٠٣ - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ) الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَوَهِمَ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ، قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: لَا صُحْبَةَ لَهُ.
وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّابِعِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النُّعْمَانِ.
وَرَوَى النُّعْمَانُ، عَنْ عَلِيٍّ وَجَرِيرٍ وَأَنَسٍ وَعَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ، وَلَيْسَ لِلنُّعْمَانِ عِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ) لِلْخَمْرِ (وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ) قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى السَّارِقِ وَالزَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّارِبَ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ إِخْبَارٌ بِمَسَائِلِ الْعِلْمِ عَلَى حَسَبِ مَا يَخْتَبِرُ بِهِ الْعَالِمُ أَصْحَابَهُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ تَقْرِيبَ التَّعْلِيمِ عَلَيْهِمْ، فَقَصَدَ أَنْ يُعْلِّمَهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَالَ بِإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَبِيرَةٌ وَهُوَ أَسْوَأُ مِمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَسُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلَهُمْ لِيَقُولُوا فِيهِ (قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) فِيهِ حُسْنُ أَدَبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَيْثُ لَمْ يُبْدُوا رَأْيًا عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ رَدُّوا الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (قَالَ: هُنَّ فَوَاحِشُ) مَا فَحُشَ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا يُقَالُ خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ أَيْ: شَدِيدٌ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
(وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ) وَرُوِيَ: " «مَا تَعُدُّونَ الْكَبَائِرَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: الشِّرْكُ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ، قَالَ: هُنَّ كَبَائِرُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَاتٌ» " (وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ) رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ بِكَسْرِ الرَّاءِ؛ أَيْ: سَرِقَةِ الَّذِي كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: ١٧٧] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٧٧) أَيْ: بِرُّ مَنْ آمَنَ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ سَارِقٍ كَفَاسِقٍ وَفَسَقَةٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، " فَأَسْوَأُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرَهُ (الَّذِي) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ أَيْ: سَرِقَةُ الَّذِي (يَسْرِقُ صَلَاتَهُ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا) أَعَادَ لَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الِاكْتِفَاءِ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي أَحَدِهِمَا، قَالَ الْبَاجِيُّ: خَصَّهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ غَالِبًا إِنَّمَا يَقَعُ بِهِمَا، وَسَمَّاهُ سَرِقَةً عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ خِيَانَةٌ فِيمَا اؤْتُمِنَ عَلَى أَدَائِهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: جُعِلَ جِنْسُ السَّرِقَةِ نَوْعَيْنِ؛ مُتَعَارَفٌ وَغَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَهُوَ مَا يَنْقُصُ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْخُشُوعِ، ثُمَّ جُعِلَ غَيْرُ الْمُتَعَارَفِ أَسْوَأَ مِنَ الْمُتَعَارَفِ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute