غَيْرَ الْأُولَى كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥ - ٦] (سُورَةُ الشَّرْحِ: الْآيَةُ ٥، ٦) إِنَّهُ اسْتِئْنَافُ وَعْدِهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْعُسْرَ مَشْفُوعٌ بِيُسْرٍ آخَرَ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» " فَالْعُسْرُ مُعَرَّفٌ لَا يَتَعَدَّدُ، سَوَاءٌ كَانَ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ، وَالْيُسْرُ مُنْكَرٌ، فَيُرَادُ بِالثَّانِي فَرَدَّ يُغَايِرُ مَا أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ.
وَنَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ بَزِيزَةَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقَوَّاهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَنَّ الْحَفَظَةَ يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ وَلَا أَنَّ حَفَظَةَ اللَّيْلِ غَيْرَ حَفَظَةِ النَّهَارِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانُوا هُمُ الْحَفَظَةُ لَمْ يَقَعْ الِاكْتِفَاءُ فِي السُّؤَالِ مِنْهُمْ، عَنْ حَالَةِ التَّرْكِ دُونَ غَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي، وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيُّ بِقَوْلِهِ: بَلْ نَقَلَ ذَلِكَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ بِسَنَدِهِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْحَفَظَةُ أَرْبَعَةٌ يَعْتَقِبُونَهُ مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأَمْلَاكُ الْأَرْبَعَةُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ ٧٨) ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: وُكِّلَ بِهِ خَمْسَةُ أَمْلَاكٍ.
مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ يَجِيئَانِ وَيَذْهَبَانِ وَمَلَكٌ خَامِسٌ لَا يُفَارِقُهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَلْبَثُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَالْحَافِظُ ذَكَرَ أَثَرَ الْأَسْوَدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَارِسَيْنِ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَيَأْتِي كَلَامُهُ، وَمِثْلُهُ يُحْمَلُ أَثَرُ الْحَسَنِ لِقَوْلِهِ: يَعْتَقِبُونَهُ فَهُمَا بِمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ الْمُخْتَلِفِ فِي الْمُرَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فِيهِ، وَكَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَثَرِ ابْنِ الْمُبَارَكِ لِقَوْلِهِ: " يَجِيئَانِ وَيَذْهَبَانِ "، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَ الْحَافِظِ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَرْفُوعِ بَلْ نُقِلَ فِيهِ خِلَافُهُ، وَأَنَّ الْحَفَظَةَ إِنَّمَا تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ حِينَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِفْضَائِهِ إِلَى أَهْلِهِ.
(وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ) أَيِ: الصُّبْحِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: التَّعَاقُبُ مُغَايِرٌ لِلِاجْتِمَاعِ لَكِنْ عَلَى حَالَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعَاقُبَ يَقَعُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَأَنْ يَقَعَ التَّعَاقُبُ بَيْنَهُمْ فِي النَّوْعِ لَا فِي الشَّخْصِ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَحِكْمَةُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ مَلَائِكَتِهِ فِي حَالِ طَاعَةِ عِبَادِهِ لِتَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute