وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ»
ــ
٤٢٦ - ٤٢٧ - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ) كَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ وَفَاعِلُ ذَلِكَ الْقَرِينُ وَغَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ إِبْلِيسُ، وَيَجُوزُ أَنَّ نِسْبَةَ ذَلِكَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ الدَّاعِي إِلَيْهِ، وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صِفَةِ إِبْلِيسَ مِنْ بِدْءِ الْخَلْقِ (عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ) أَيْ: مُؤَخَّرِ عُنُقِهِ، وَقَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ مُؤَخَّرُهُ وَمِنْهُ قَافِيَةُ الْقَصِيدَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْقَفَا، وَقِيلَ: مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: وَسَطُهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " أَحَدِكُمْ " التَّعْمِيمُ فِي الْمُخَاطَبِينَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَا سِيَّمَا فِي الْجَمَاعَةِ لِمَا ثَبَتَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ» " لِأَنَّ مُسَمَّى قِيَامِ اللَّيْلِ يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ قِيَامُ بَعْضِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَى مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ جَمَاعَةً أَنَّهُ قَامَ اللَّيْلَ، وَبِمَنْ وَرَدَ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَالْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ ٤٢) وَكَمَنَ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ نَوْمِهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ (إِذَا هُوَ نَامَ) وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ: نَائِمٌ بِوَزْنِ فَاعِلٍ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ، قَالَهُ كُلَّهُ الْحَافِظُ (ثَلَاثَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ (عُقَدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُ عُقْدَةٍ (يَضْرِبُ) بِيَدِهِ (مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ) أَيْ: عَلَيْهَا تَأْكِيدًا وَإِحْكَامًا لَهَا قَائِلًا (عَلَيْكَ) بِالرَّفْعِ، وَلِأَبِي مُصْعَبٍ بِالنَّصْبِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
قَالَ عِيَاضٌ: رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ؛ أَيْ: بَاقٍ عَلَيْكَ، أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ؛ أَيْ: بَقِيَ عَلَيْكَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّفْعُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ الْأَمْكَنُ فِي الْغُرُورِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُخْبِرُهُ، عَنْ طُولِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالرُّقَادِ بِقَوْلِهِ: (فَارْقُدْ) وَإِذَا نَصَبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ طُولِ الرُّقَادِ وَحِينَئِذٍ يَضِيعُ قَوْلُهُ: فَارْقُدْ، وَمَقْصُودُ الشَّيْطَانِ تَسْوِيفُهُ بِالْقِيَامِ وَالْإِلْبَاسِ عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute