للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةُ الْحَدِيثِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) وَاحِدَةٌ مِنَ الثَّلَاثِ (فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) ثَانِيَةٌ (فَإِنْ صَلَّى) فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً (انْحَلَّتْ عُقَدُهُ) الثَّلَاثُ كُلُّهَا بِالْجَمْعِ، رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَبِالْإِفْرَادِ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَالْجَمْعُ أَوْجَهُ لَا سِيَّمَا وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي الْأُولَى عُقْدَةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ عُقْدَتَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْعُقَدُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ، وَفِي الْفَتْحِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْبُخَارِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا. وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ: انْحَلَّتِ الْعُقَدُ. وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِالْإِفْرَادِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ: فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ أُطْلِقَتِ الثَّانِيَةُ، فَإِنْ صَلَّى أُطْلِقَتِ الثَّالِثَةُ، وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الْوُضُوءِ إِذَا انْتَبَهَ، فَيَكُونُ لِكُلِّ عُقْدَةٍ شَيْءٌ يَحِلُّهَا، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْجَمْعِ أَنَّ الْعُقَدَ تَنْحَلُّ كُلُّهَا بِالصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَهَارَةٍ، كَمَنْ نَامَ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ انْتَبَهَ فَصَلَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَذْكُرَ وَيَتَطَهَّرَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُهُ فِي حَلِّ الْعُقَدِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ وَتَتَضَمَّنُ الذِّكْرَ.

وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ: " عُقَدُهُ كُلُّهَا " إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى وُضُوءٍ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَالْمَعْنَى انْحَلَّتْ تَكْمِلَةُ عُقَدِهِ كُلِّهَا بِانْحِلَالِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ انْحِلَالُ الْعُقَدِ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فَحُلُّوا عُقَدَ الشَّيْطَانِ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ.

(فَأَصْبَحَ نَشِيطًا) لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَمَا وُعِدَ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَمَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ، (طَيِّبَ النَّفْسِ) لِمَا بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ الْحَسَنِ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ سِرًّا فِي طِيبِ النَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرِ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ وَكَذَا عَكْسُهُ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: ٦] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةُ ٦) وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ - مَنْ قَامَ وَعَادَ إِلَى النَّوْمِ - لَا يَعُودُ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالْعُقَدِ الْمَذْكُورِ ثَانِيًا، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِمَّنْ يَقُومُ وَيَذْكُرُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي مَنْ لَمْ يَنْهَهُ ذَلِكَ عَنِ الْفَحْشَاءِ بَلْ يَفْعَلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْلِعَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْإِقْلَاعِ وَبَيْنَ الْمُصِرِّ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَرَكَ الذِّكْرَ وَالْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ ( «أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ» ) بِتَرْكِهِ مَا كَانَ اعْتَادَهُ أَوْ أَرَادَهُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، كَذَا قِيلَ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (كَسْلَانَ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ لِلْوَصْفِيَّةِ وَزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ، لِبَقَاءِ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ وَشُؤْمِ تَفْرِيطِهِ وَظُفْرِ الشَّيْطَانِ بِهِ بِتَفْوِيتِهِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَلَا يَكَادُ يَخِفُّ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَلَا غَيْرُهَا مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَخُصَّ الْوُضُوءُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَإِلَّا فَالْجُنُبُ لَا يَحِلُّ عُقَدَهُ إِلَّا الْغُسْلُ، وَفِي قِيَامِ التَّيَمُّمِ مَقَامُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِمَنْ سَاغَ لَهُ بَحْثٌ، وَالْأَظْهَرُ إِجْزَاؤُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْوُضُوءِ عَوْنًا كَبِيرًا عَلَى طَرْدِ النَّوْمِ لَا يَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>