وَأَقَلُّ عُذْرًا.
(هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي) أَيْ أَرِنِي، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ مُلَاطَفَةُ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِرَاءَةَ بِالْفِعْلِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّعْلِيمِ، وَسَبَبُ الِاسْتِفْهَامِ مَا قَامَ عِنْدَهُ مِنِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ.
(كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ) لِلصَّلَاةِ.
(فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: نَعَمْ) أَسْتَطِيعُ (فَدَعَا بِوَضُوءٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ: فَدَعَا بِمَاءٍ، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، بِفَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ، قَدَحٌ أَوْ إِنَاءٌ يُشْرَبُ مِنْهُ أَوِ الطَّسْتُ أَوْ شِبْهُ الطَّسْتِ أَوْ مِثْلُ الْقِدْرِ يَكُونُ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حِجَارَةٍ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: " «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ» " بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ صِنْفٌ مِنْ جَيِّدِ النُّحَاسِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الشَّبَهَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الذَّهَبَ، وَالتَّوْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ إِذْ سُئِلَ عَنْ صِفَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي حِكَايَةِ صُورَةِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِهَا.
(فَأَفْرَغَ) أَيْ صَبَّ يُقَالُ: أَفْرَغَ وَفَرَّغَ لُغَتَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُحْكَمِ (عَلَى يَدِهِ) زَادَ أَبُو مُصْعَبٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْيَمَنِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ بِالتَّثْنِيَةِ، فَالتَّقْدِيرُ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْيَدِ جِنْسُهَا فَيَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ مَعْنًى.
(فَغَسَلَ يَدَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ لِجُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ " يَدَهُ " بِالْإِفْرَادِ عَلَى الْجِنْسِ فَيَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ، وَقَدْ رَوَاهُ وُهَيْبٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ: " يَدَيْهِ " بِالتَّثْنِيَةِ (مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا لِمَالِكٍ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَكَذَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثَلَاثًا وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظٌ وَقَدِ اجْتَمَعُوا فَزِيَادَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَافِظِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ وُهَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّتَيْنِ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى إِمْلَاءً فَتَأَكَّدَ تَرْجِيحُ رِوَايَتِهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ لِاتِّحَادِ الْمُخَرِّجِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ، وَفِيهِ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا الْإِنَاءَ وَلَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ نَوْمٍ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ لَا غَيْرَ.
(ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ) كَذَا لِيَحْيَى وَلِأَبِي مُصْعَبٍ بَدَلُهُ وَاسْتَنْشَقَ، فَأَطْلَقَ الِاسْتِنْثَارَ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ بِلَا عَكْسٍ، وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ فَجَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ غَيْرُ الِاسْتِنْثَارِ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَهُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنَ الْأَنْفِ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ وَهُوَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى دَاخِلِ الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ بِالنَّفَسِ إِلَى أَقْصَاهُ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
(ثَلَاثًا) زَادَ وُهَيْبٌ بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ كُلِّ غُرْفَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute