وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ
ــ
٤٢٩ - ٤٣١ - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ) بَلَاغُهُ صَحِيحٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» ".
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ غَيَّرَ ذَلِكَ، فَفِي مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ.
وَفِي ابْنِ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ صَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ؛ أَيْ: عَلَى الْعَادَةِ، فَرَأَى النَّاسَ لَمْ يُدْرِكُوا الصَّلَاةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ؛ أَيْ: صَارَ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا مَرْوَانُ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَاعَى مَصْلَحَةَ الْجَمَاعَةِ فِي إِدْرَاكِهِمُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا مَرْوَانُ فَرَاعَى مَصْلَحَتَهُمْ فِي إِسْمَاعِهِمُ الْخُطْبَةَ، لَكِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ فِي زَمَنِهِ كَانُوا يَتَعَمَّدُونَ تَرْكَ سَمَاعِهِمْ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَّ، وَالْإِفْرَاطِ فِي مَدْحِ بَعْضِ النَّاسِ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَاعَى مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا بِخِلَافِ مَرْوَانَ، فَوَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ فِعْلِ عُثْمَانَ، قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ: لَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَيَاهُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنْ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، فَإِنْ جُمِعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ نَادِرًا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَصَحُّ.
وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ: حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ. وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَرْوَانَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعًا لِمُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَتِهِ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدِ مُعَاوِيَةُ.
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ زِيَادٌ بِالْبَصْرَةِ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ وَأَثَرِ مَرْوَانَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مَرْوَانَ وَزِيَادٍ كَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ ذَلِكَ وَتَبِعَهُ عُمَّالُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute