للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرَّأْسِ وَاجِبًا مَا مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَاحْتِجَاجُ الْمُخَالِفِ بِمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنِ الِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْكَارُ ذَلِكَ لَا يَنْهَضُ إِذِ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَا يَجِبُ إِنْكَارُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ فَهُوَ رَأْيٌ لَهُ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ (بِيَدَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) قَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ: مَعْنَاهُ أَقْبَلَ إِلَى جِهَةِ قَفَاهُ وَرَجَعَ كَمَا فَسَّرَ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَدْبَرَ وَأَقْبَلَ وَالْوَاوُ لَا تُعْطِي رُتْبَةً، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ وُهَيْبٍ فِي الْبُخَارِيِّ: فَأَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ.

وَفِي مُسْلِمٍ: «مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَمَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ وَصُدْغَيْهِ» .

(بَدَأَ) أَيِ ابْتَدَأَ (بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِّ مُشَدَّدَةً وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَالتَّخْفِيفُ وَكَذَا مُؤَخَّرٌ.

(ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ) بِالْقَصْرِ وَحُكِيَ مَدُّهُ وَهُوَ قَلِيلٌ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ، وَفِي الْمُحْكَمِ وَرَاءَ الْعُنُقِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

( «ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» ) لِيَسْتَوْعِبَ جِهَتِي الشَّعْرِ بِالْمَسْحِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ التَّعْمِيمَ أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَةٌ وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ، وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ: بَدَأَ. . . . إِلَخْ، عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَدْخُلِ الْوَاوُ عَلَى بَدَأَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مُقَدِّمَةٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَمْ يُعَيَّنْ مَا أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَلَا مَا أَدْبَرَ عَنْهُ، وَمَخْرَجُ الطَّرِيقَيْنِ مُتَّحِدٌ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَعَيَّنَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ الْبُدَاءَةَ بِالْمُقَدَّمِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: أَقْبَلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِابْتِدَائِهِ أَيْ بَدَأَ بِقُبُلِ الرَّأْسِ. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فَذَكَرَ فِيهِ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ خَطَأٌ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، قَالَ: وَأَظُنُّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْإِقْبَالَ مَرَّةً وَالْإِدْبَارَ أُخْرَى.

(ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَالْبَحْثُ فِيهِ كَالْبَحْثِ فِي إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ.

وَحَكَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ الْعَظْمُ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَقَدْ أَكْثَرُوا مِنَ الرَّدِّ عَلَى الثَّانِي، وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِيهِ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الصَّحِيحُ فِي صِفَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يَلْزَقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ هَذَا.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يَجِئْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِلْأُذُنَيْنِ ذِكْرٌ وَيُمْكِنُ أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَعُمُّهُمَا، وَرَدَّهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ الْحَاكِمَ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَا مِنْ حَدِيثِهِ وَصَحَّحَاهُ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ مَاءً لِأُذُنَيْهِ خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ» " وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>