للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالتَّقْدِيرُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ هَذَا الْيَوْمِ مَنْظَرًا.

(وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) اسْتَشْكَلَ مَعَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «إِنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ مِنَ الدُّنْيَا» " فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النِّسَاءَ ثُلْثَا أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَأُجِيبُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِهِنَّ مِنَ النَّارِ، أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْوِيفِ وَعُورِضَ بِإِخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّؤْيَةِ الْحَاصِلَةِ.

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " «وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ فِيهَا النِّسَاءَ اللَّاتِي إِنِ اؤْتُمِنَّ أَفْشَيْنَ، وَإِنْ سُئِلْنَ بَخِلْنَ، وَإِنْ سَأَلْنَ أَلْحَفْنَ، وَإِنْ أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ» " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي النَّارِ مِنْهُنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتٍ ذَمِيمَةٍ.

(قَالُوا: لِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِكُفْرِهِنَّ) بِـ " لَامٍ " هُنَا وَفِي " لَمْ "، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: " بِمَ " بِالْبَاءِ فِيهِمَا وَأَصْلُهُ: بِمَا يَأْلَفُ؛ حُذِفَتْ تَخْفِيفًا.

(قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ) تَعَالَى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ: وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) أَيِ: الزَّوْجَ؛ أَيْ: إِحْسَانَهُ، كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَزِدْهَا غَيْرُهُ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ سَائِرِ الرُّوَاةِ: بِلَا وَاوٍ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِغَيْرِ وَاوٍ، قَالَ الْحَافِظُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَاوَ غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ تَغْلِيطِهِ أَنَّهُ خَالَفَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّوَاةِ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَطْلَقَ عَلَى الشُّذُوذِ غَلَطًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فَسَادَ الْمَعْنَى فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ طَابَقَ السُّؤَالَ، وَزَادَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ النِّسَاءِ فَعَمَّ الْمُؤْمِنَةَ مِنْهُنَّ وَالْكَافِرَةَ، فَلَمَّا قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَيَكْفُرْنَ. . . . إِلَخْ، كَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ يَقَعُ مِنْهُنَّ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ مِنْهُنَّ مَنْ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، وَمِنْهُنَّ مَنْ يَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ لَمْ يَقَعْ عَلَى وُفِقِ سُؤَالِ السَّائِلِ، لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِأَنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى جَوَابِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْحَدِيثِ خِلَافُهُ.

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَمْ يُعَدَّ كُفْرُ الْعَشِيرِ بِالْبَاءِ كَمَا عُدِّيَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، لِأَنَّ كُفْرَ الْعَشِيرِ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاعْتِرَافِ.

(وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ) كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ إِحْسَانِهِ لَا كُفْرَ ذَاتِهِ، فَالْجُمْلَةُ مَعَ الْوَاوِ مُبَيِّنَةٌ لِلْأُولَى نَحْوُ: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ، وَالْمُرَادُ بِكُفْرِ الْإِحْسَانِ تَغْطِيَتُهُ أَوْ جَحْدُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ) نَصَبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (كُلَّهُ) أَيْ: مُدَّةَ عُمُرِ الرَّجُلِ أَوِ الزَّمَانِ مُبَالَغَةً (ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا) قَلِيلًا لَا يُوَافِقُ غَرَضَهَا مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ، فَالتَّنْوِينُ لِلتَّقْلِيلِ (قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) بَيَانٌ لِلتَّغْطِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَ " لَوْ " شَرْطِيَّةٌ لَا امْتِنَاعِيَّةٌ.

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا امْتِنَاعِيَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عَلَى التَّعْيِينِ، وَالْمَظْرُوفُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى مِنَ الْمَذْكُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خِطَابَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَأَتَّى أَنْ يُخَاطَبَ فَهُوَ خَاصٌّ لَفْظًا عَامٌّ مَعْنًى.

وَفِي الْحَدِيثِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الطَّاعَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُحْذَرُ مِنْهُ، وَاسْتِدْفَاعُ الْبَلَاءِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْوَاعِ طَاعَتِهِ، وَمُعْجِزَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>