للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا سامحَ الله مأبوناً يكلِّفني ... لغيرِ طبعي ويبغي غاسقاً وقبا

وله في والد إسماعيل المذكور، وكان مؤذِّناً يؤذي الآذان:

إنَّ الجمالَ الجُرشي ... مثلُ المغنِّي القُرشي

يَودُّ من يسمعهُ ... لو ابتلي بالطَّرشِ

المغني القُرشي معروف بقبح الصوت، وفيه يقول المُهلَّبي:

إذا غنَّانيَ القُرشي ... دعوتُ الله بالطَّرشِ

وإن أبصرتُ طلعتهُ ... فوالَهفي على العمشِ

ولابن العميد فيه:

إذا غنَّانيَ القُرشي يوماً ... وعنَّاني برؤيتهِ وضربِهْ

وددتُ لو أنَّ أذني مثل عيني ... هناكَ وأنَّ عيني مثلُ قلبهْ

الشيء بالشيء يذكر، والمناسبة حقُّها لا ينكر.

ذكرت هنا فصلاً قلته في مغنٍّ بارد النغمة: جمعني وفلاناً المغني مجلسٌ فاستقريَّت مكرهاً، وسمعت ورأيت مكرها. فقلت: قبَّحه الله من مغنٍّ سماع صوته غمٌّ، كيف ولفظ غم في نغمه مدغم؟ فإذا أدَّى آذى، وإذا غنى عنَّى.

لا مرحباً بمغنٍّ ... طوى المسرَّةَ عنَّا

قال النَّدامى جميعاً ... لما تغنَّى تعنَّى

يا ليته ما تغنَّى ... يا ليته مات عنَّا

فما أحقُّه بقول بعض الكبراء، وقد غنى مغنٍّ فقيل له: كيف ترى؟

ويحسبُ النُّدمانُ في حلقهِ ... دجاجةً يخنقها ثعلبُ

وقيل لآخر ما قيل لهذا، فقال:

وكأنَّ جُرذانَ المحلَّةِ كلَّها ... في حلقه يقرضنَ خبزاً يابسا

غير أني اختبرته اختبار عارفٍ أريب، فرأيته في صنعة الضَّرب ماله ضريب.

فضربه أوقع من الضريب والضرب، وإن كان غناه كالضرب على الركب.

فبالجملة يستحقُّ على ضربه غناه، ويستوجب ضربه على غناه.

فمن ابتليَ به فلا يدعه يفتح فاه، إلا وهو نازلٌ بالصَّفع على قفاه.

وللغزَّالي، والبيت الأخير مضمَّن:

أضحى التصبُّرُ حبله مقطوعا ... لمَّا رأيتُ معذِّبي ممنوعا

وحديث وجدي مُسنداً ومُعنعناً ... أمسى لديه معلَّلاً موضوعا

وفقدتُ قلبي عنده وأظنُّه ... لبليَّتي قد ساء فيه صنيعا

فغدوتُ أنشدُ واللَّهيبُ بمهجتي ... والبينُ جرَّعني الأسى تجريعا

بالله يا أهلَ الهوى وبحقِّه ... لا زال قدرُكم به مرفوعا

قولوا لمن سلبَ الفؤادَ مصحَّحاً ... يمنُنْ عليَّ بردِّه مصدوعا

وله من الرباعيات:

القلبُ إلى سواكمُ ما مالا ... والدَّمعُ لغيرِ بعدكمْ ما سالا

إن كان حسودنا أتاكمْ ووشى ... بالله بِلُطفكمْ دعوا ما قالا

القاضي عمر الدُّويكي هو في الفلك، منوِّر الحلك.

بمرأى يشفُّ أحسن الشُّفوف، حلية لحيته كالقطن المندوف.

وقد أُلبست المهابة إهابه، فلو رآه الأسد الوارد في غابه لهابه.

وقد كحلتني الأيام بطلعته، فوقفت على صبغته وصفته.

ورأيت شخصاً مروَّق الشِّيم، تنفح أخلاقه عن الزَّهر بعد الدِّيَم.

وله أشعار نظمها دراريَّ في أسلاك، وأطلع منها كواكب سابحةً في أفلاك.

فمنها قوله من قصيدةٍ، مطلعها:

جازتْ عليَّ تهزُّ في أردانِ ... هيفاءَ رمحُ قوامها أرداني

تُركيَّة الألحاظِ لمَّا أن رنتْ ... نحوي بصارمِ ناعسٍ أصماني

غرْثى الوشاحِ ترنَّحتْ أعطافُها ... من ذا الذي عن حُبها ينهاني

في خدِّها الورديِّ نارٌ أضرمتْ ... فعجبتُ للجنَّاتِ في النِّيرانِ

لما انثنتْ تختالُ في حللِ البَها ... سجدتْ لقامتها غصونُ البانِ

جارتْ على ضَعفي بعادلِ قدِّها ... عجباً فهل ضدَّانِ يجتمعانِ

لولا جعيدَ الشَّعرِ مع فرقٍ لها ... ما كان لي ليلٌ وصبحٌ ثانِي

قسماً بطلعتها ولفتةِ جِيدها ... وبثغرها وبقدِّها الرَّيانِ

وبنونِ حاجبها وروضةِ خدِّها ... وبلطفها وبحسنها الفتَّانِ

لم أنسَها لما أتتْ بملابسٍ ... قد طرِّزتْ بمحاسنِ الإحسانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>