للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانقطعتْ عني بموته إمدادات المواد والمَوات، وهيهات هيهات أن يُتدارك ذلك الفوات.

فرحم الله تلك الروح اللطيفة، ولا برحت سحائب الغفران بقبره مُطيفة.

فممَّا بلغني من شعره، ما كتبه إلى شيخنا المرحوم إبراهيم الخِياري المدني، وقد أهدى إليه فُسْتقا:

لما تركتُ القلبَ عندكُم ... وغدوتُ مشغوفاً بكم صَبَّا

وخشِيتُ أن تخفَى مكانتُه ... صيَّرتُ ما يُهْدَى لكم قلبَا

فأجابه بقوله:

لما علِمتَ القلبَ عندكُم ... أهديتَ لي من لُطفِك القلبَا

أكْرِم به من زائرٍ وافَى ... أطْفَا اللَّهيبَ ورنَّح الصَّبَّا

ومنزع البصروي ما كتبه جدِّي العلامة القاضي مُحب الدين، إلى الأستاذ محمد البكري، وقد أهداه شيئاً من قلب الفستق:

لما تملَّك قلبي حبُّكم فغدا ... مُجرِّداً منه قلباً رقَّ واستَعْرا

حرَّرتُه فغدا طوعاً لخدمتِكمْ ... مُحرَّراً خادماً وافاك مُعتذِرَا

فعامِلوه بِجَبْرِ حيث جاءكُم ... مجرَّداً بمزيدِ الحبِّ منكسِرَا

يقبِّل اليد الشريفة، ويلثم الراحة اللطيفة.

ويُنهي إلى الحضرة عظَّم الله شأنها، وصانها عمَّا شانها.

أنه أهديَ ما يناسب إهداؤه لأرباب القلوب، ويلائم إرساله لأصحاب الغيوب.

فقدَّم العبدُ رجلاً وأخَّر أخرى، في أن يُهديَ لجنابكم الشريف منه قَدْرا.

علماً بأنه شيءٌ حقير، لا يوازي مقامكم الخطير، وقد توارى بالحجاب، حيث وافاكم وهو حسير.

وما مَثَل من يُهدي مثلَه إلى ذلك الجَناب، إلا كالبحر يُمطِره السَّحاب.

ثم إنه تهجَّم بإهداء هذا القدر اليسير، فإن وقع في حيِّز القبول انجبَر القلب الكسير.

وكتب البصروي إلى الخياري أيضاً:

يا نسيماً من ربوةِ الشام سارِ ... عُجْ على طَيْبَةٍ أجلِّ الديار

وتحمَّل منِّي سلامَ مَشوقٍ ... لحبيب المهيمنِ المختارِ

ولأصحابِه الكِرامِ أُولِي المجْ ... دِ خصوصاً أمينهِ في الغارِ

ولِقوْمٍ قد خيَّموا في ذَراهُ ... قد حباهُم مولاهُم بالجِوارِ

سِيَّما الأروَعُ المهذَّب من حا ... زَ كمالاً ما إن له من مُجارِ

فرْعُ دَوْحِ العُلى وأصلُ المعالي ... نَجْلُ شيخِ الورى الأجَلَّ الخِيارِي

زُرْهُ تُبصِر لديه كلَّ جليلٍ ... من علومٍ ورائقِ الأشعارِ

وحديثٍ ألذَّ من نظرةِ المعْ ... شوقِ وافَى في غفْلةِ السُّمَّارِ

وسجايَا كَنكْهِ المِسْك والنَّد ... م ووردِ الرياض غِبَّ القِطارِ

وكتب إليه أيضاً في صدر كتاب:

يُقبِّلُ الأرضَ حَماها الذي ... ألْثَمها أفواهَ أهلِ العُلى

عبدٌ إذا كاتبْتَه ثانيا ... يزْداد رِقًّا لكم أَوْ وَلا

هكذا نسبهما إليه الخياري في رحلته، وهما للبدر الغزِّي، تمثَّل بهما، وقد راجعه عنهما بقوله:

يا أيُّها المولى الذي ربُّه ... خَوَّله من مَنِّه الأفضَلا

كاتبْتَ عبداً ذا وفاءٍ لكمْ ... ما اختارَ تحريراً ولا أمَّلا

أقرَّ بالرِّقِّ لكم أوَّلاً ... والآن إذْ كاتبْته بالوَلا

وأنشدني من لفظه لنفسه، ويخرج منه اسم سليم، بطريق التَّعمية:

ولائِمٍ لامَ على ... ترْكِي طِلاً كالعندَمِ

فقلتُ حسبِي قهوةٌ ... لي في الثَّنايا والفَمِ

وقد تعارض مع بعض المتأخِّرين في هذا العمل، في قوله:

إذا عدم السَّاقي الشَّرابَ ولم يجدْ ... شرباً به قلبِي يطيبُ ويطرَبُ

فبيت ثناياهُ ومبسَمِهِنَّ لي ... شرابٌ من القَطرِ المُذابِ وأعذَبُ

وخاطبته في بعض قدماته من سفر:

قُدومُك زينَ الدين يا خيرَ قادِمٍ ... به ابْتهَج النادِي وضاءتْ قِبابُهُ

فلا موطِنٌ إلا احْتوتْه مسرَّةٌ ... ولا كَمَدٌ إلا وأُغلِق بابُهُ

أحمد بن يحيى الأكرمي الصالحي سيخٌ هرِم، يحدِّث عن سيل العَرِم.

<<  <  ج: ص:  >  >>