للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَهجْتَ به في الفضلِ أبهجَ منهجٍ ... تدوم به حيًّا إلى الحشرِ والنشرِ

به ذِكرُ من يسْتوجبُ الذِّكرَ في الورَى ... وإحياءُ موْتى للفضائلِ بالذِكرِ

به يُهتدَى للغابرين ومَن مضَى ... كما يعتدِي السَّارون بالأنجُمِ الزُّهرِ

كأنَّ مزايا ذكْرِهم في طُروسِه ... متى تُتْلَ جناتٌ جداولُها تجرِي

لك الفضلُ فيما صُغْتَ من دُرِّ لفظِه ... نسيقَ معانٍ خِلْنَ ضرباً من السحرِ

فجازاك ربُّ العالَمينِ بفضْلِه ... جزاءً يُنيل الأجرَ مع رِفعةِ القَدْرِ

وأنت وأيمُ اللهِ مُفردُ عصرِنا ... وحامِي حِمَى الآداب في النظمِ والنثرِ

تتيه بك الأيَّامُ قلَّدتَ عُطْلَها ... وقلَّدت منها الجِيدَ من فضلِك الوَفْرِ

ومنك جَلاها من سَنا البرقِ شارقٌ ... وصَاكَ بها من عرفِك العنبرُ الشِّحرِي

وهاك أيا مولاي منِّي مدائِحاً ... سهِرتُ بها والنجمُ يسبِرُ من فكرِي

وما هي إلاَّ الروضُ حيَّاك عَرْفُه ... وقد باكرَتْه نَوْءُ فضلِك بالقَطرِ

ومع ذاك لم أقدُرك حقَّك مِدحةً ... ولكنه جُهدُ الأناشيدِ من شعرِي

وإن يكُ قد حازَ انْطِباعاً فإنه ... لمكتسِبَنْه من خلائِقك الغُرِّ

أُقِرُّ بعجْزِي ليس شعرِي مُكافِياً ... فَصاحَتَك العظمى ولو صِيغ من تِبْرِ

على أنه ما اسطعْتُه وأعوذ من ... مَلامةِ تَقصيرِي بعفوِك عن وِزْرِي

فكتبت إليه عنها جواباً، لا يزال سمعي يرشف من راح أدبه أكوابا:

ألا ليت شعرِي والمُنى لَذَّةُ العمرِ ... متى يرجع الطيرُ القديم إلى الوِكرِ

نعم في مِطال الدهرِ لي وعدُ أوْبةٍ ... فمن لي بقلبٍ فيه يقْوى على الصبرِ

أهُمُّ بأمرِ الحزمِ لو أستطيعه ... وحكمُ القضا فيما يناقِضه يجْرِي

وما حيلةُ الظمآنِ والماءُ دونه ... حِجابٌ من البِيضِ الصَّوارمِ والسُّمْرِ

وفي ذِمَّة الأيامِ ما صنَع النَّوى ... بجسمِي وما تُبدِي المدامعُ من أمرِي

وعيشٍ كأخلاقِ الكِرام قطعْتُه ... وصَحبِي بسفحِ الصَّالحيَّة والجسرِ

يشِفُّ ضُحاه عن طُلاً من مُجرَّدٍ ... نقيٍّ وتفتُّر العشيَّةُ عن ثغرِ

وللطَّير تَهْدارٌ بأيكة روضةٍ ... إذا سكَت الشُّحرور جاوَبه القُمرِي

به من لُجَين الماءِ ينْساب جدولٌ ... ترقرَقَ في آصالِه ذائبُ التِّبْرِ

يهيِّمُنا في جنةِ الخلدِ وصفُه ... ويُملي علينا ما جهلنَا من السِّرِّ

ودارتْ بكاساتِ المُدام سُقاتُنا ... كما دارتِ الأفلاكُ بالأنْجُم الزُّهْرِ

وما أسْكرتْنا بعد صحوٍ وإنما ... أعادتْ لنا في الحب سكراً على سُكْرِ

وأغْيَدَ إمَّا قابلَ البدرَ وجهُه ... أرتْك به مرآتُه صورةَ البدرِ

إذا قراُوا والليلِ في وصفِ فرعِهِ ... قرأتُ لهم في معرِض الفرقِ والفجرِ

تجمَّع حسنُ الخَلق فيه بأسرِه ... ففرَّقَ ما للعاشقين من الصبرِ

بمُنْعطفٍ لولا العيونُ تحُوطه ... لضلَّ به الهمْيانُ عن دَورةِ الخصرِ

يكاد وِشاحاه يطيران خِفَّةً ... ولولاهما من رِقَّةٍ كاد أن يجرِي

وحُقِّ عقيقٍ من فمٍ شِبْهِ خاتَمٍ ... به ختم اللهُ الشِّفاه على دُرِّ

يصولُ بلحظٍ للمنايا مجرَّدٍ ... رهيبِ الشَّبَا يخْتال في طلبِ الشَّرِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>