أما والْتفاتِ الجِيد من مُشبِهِ الدُّمَى ... وثغرٍ حوَى دراً بدِيعا منظَّمَا
وأوْطفِ أجفانٍ من السحرِ كُحِّلتْ ... تغادر من قد غازَلْته متيَّمَا
تسوق المعَنَّى للصبابةِ والهوَى ... وكم من وَلوعٍ فات فيهنَّ مُغرَمَا
حليفَ جوًى طِّوْعَ الغرامِ تقودُه ... دواعي التَّصابي ناحلَ الجسمِ مُسقَمَا
مُبلبَل بالٍ في محبةِ أغيدٍ ... بديعِ جمالٍ كلَّ جورٍ تعلَّمَا
يطلُّ دمَ العشاق جَوْراً لأجل أن ... يضرِّج منه أبيض الخدِّ بالدمَا
رنا كالطُّلا والغصنِ قَدًّا وناظِراً ... يسدِّد سهماً والرُّديْنيِّ قُوِّمَا
وحاوَلَ أن يرمِي فؤادِي وما درَى ... بأنَّ فؤادِي لا يُبالي بما رَمَى
لأنَّيَ عن طُرْق الهوَى مِلتُ جانِبا ... وجانَبْتُ لهواً للتَّصابي ميمَّمَا
وهل بعد ما لاحَ الصباحُ بلمَّتي ... وفي ليلِ غيِّي فجرُ رشدِي تبسَّمَا
يروق بأنِّي يزدهِيني تعَشُّقٌ ... ومِلتُ لحبٍ والشبابُ تصرَّمَا
فآهاً لأيام الشَّبابِ ولم أزلْ ... على فقدِهِ ذا حُرقةٍ متألِّمَا
تبدَّلتُ عن طيب اغتنامِي لصحَّتي ... وعن لذَّتي فيها من السُّقمِ مَغْرمَا
وقاسيتُ ممَّا بي ألمَّ من الضَّنى ... ومن فادِحِ الخطبِ الذي جلَّ صِلْدِمَا
وأحمَدُ ربِّي حيث أبرأنِي الضَّنى ... وبي من أليمِ الكربِ نجيَّ وسلَّمَا
فما ظبيةٌ قد عاقها عن شُويْدنٍ ... لها شرَكٌ من صائدٍ فوقها ارْتمَى
وأقبل مسروراً إليها ورام أن ... يشُدَّ وثاقَيْها فأبصَر أرقمَا
يحاوله كاللَّيثِ من كلِّ وجهةٍ ... يصاوِله أيَّانَ سار ويَمَّمَا
فأُذعِر منه حيث أُرعِد خيفَةً ... وأفْلتها من خَشيةِ الصِّلِّ مُرغَمَا
فراحتْ كريحٍ في الفلا نحو سِربِها ... تُزيلُ غبارَ الموتِ عنها وعَنْدمَا
أتتْ خِشفَها أحْنتْ عليه بكلِّها ... وقد أرضعتْهُ بعد أن شفًّه الظَّمَا
بأفرحَ منِّي يوم بُرْئِي من الضَّنا ... وجئتُ إلى مولاي فيه مسلِّمَا
ومُتِّعتُ بعد اليأسِ منه بنظرةٍ ... له ظلْتُ فيها بالسرور منَعَّمَا
ولي معه مجالس نمتحن فيها الأفكار، ونزُفُّ عرائس الأدب الأبكار.
من محاضرات توصِّل الأنس إلى سواد القلب وصميمه، ومحاورات تُميط الهمَّ عن النفس وقد ألحَّ في تصميمه.
وأغلبها تجري في مجلس الأستاذ زين العابدين، منتدى روائع الطرائف، ومنتَمى بدائع الظرائف.
ومقصِد الأماني والأطماع، وصيقل النَّواظر والأسماع.
حيث شمل الفضل في انتظام، والحسن كلُّه مجتمعٌ جمع نظام.
وهو - أبقى الله مهجته، وحرس على الأيام بهجته - يقيد خطى الأبصار بالاقتصار عليه، ويأخذ بأزِمَّة القلوب بالانحياز إليه.
ونحن نرى لقاءه فائدةً نكتسبها، ومحبته قربةً عند الله نحتسبها.
فنفيض بإقباله فيض الأنهار، ويفوح ثناؤنا في ناديه فوحة الأزهار.
فما دار بيننا ذكر التَّصحيف فتعرَّفنا مزاياه، ثم انتهت بنا النَّوبة إلى نوعٍ قريب منه يعرف بالمُعاياة.
فقال المترجم شاهين: المتنبي.
فقلت له: تريد تبنا هنياً لمن يتب.
ثم قلت له: أتينا نتباهى بكلامك.
وأردت: أنت يا شاهين كلُّ أمل.
فقال الأستاذ وقد أحضر عنب: العنب ثقيلٌ أكلُه.
يريد: العشق بلاء كلُّه.
فقلت له: العين تقتل إن عَدَت.
وأردت: العشق بلاء يعذب.
وخاطبته بقولي: أبداً أبث ثناي نديّ أغلا نثر ينفث.
وأردت: يبقى زين العابدين أستاذنا.
وفيه مع التصحيف القلب، وهذا أصعب من الأول.
وذكروا منه: خيل مهلل أدهشتنا.
وتصحيفه مع قلبه، يؤدي إلى قولنا: أنت شهِد اللهُ مليح.