للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتصحيف كما ذكروا أن تصحِّف كلَّ حرفٍ بما يماثله، والثلاث السِّنات التي في السين والشين تُصحَّف بثلاث حروف مماثلتها، كالباء والتاء والثاء والنون والياء، وتصحَّف الكاف باللام. والأحرف التي لا تصحَّف أربعة، الألف، والميم، والهاء، والواو. وأول من صحَّف علي رضي الله عنه، في قوله:

كلُّ عِنَبٍ الكَرْمُ يُعطي ... هِ إلاَّ عنب الذِّئبِ

كل عيبٍ الكَرَمُ يُغطِّي ... هِ إلاَّ عيب الذنبِ

ذكره ابن هشام في موقد الأذهان، وموقظ الوسنان.

ومن التصاحيف الحسنة: نصَحت فخنتني: تصحيف حسن.

السمسم سرَقه عليٌّ وحياتِك: الشمس مشرقةٌ على وجَناتك.

المحتسب طرح سبايِك: المحب ينتظر حسناتك.

ومما وقع منه بديهة، أن المعتمد بن عبَّاد سايرَ ابن عمار وزيره، في بعض أرجاء إشبيليَّة، فلقيتهما امرأة ذات حسن مفرط، فكشفت عن وجهها وتكلَّمت بكلام لا يقتضيه الحياء، وكان ذلك بموضع الجبَّاسين الذين يصنعون الجبس، والجيَّارين الذين يصنعون الجير.

فالتفت المعتمد إلى موضع الجيَّارين، وقال: يا ابن عمار، الجيَّارين.

ففهم مراده، وقال في الحال: يا مولانا، والجبَّاسين.

فلم يفهم الحاضرون المراد، وتحيَّروا.

فقال له المعتمد: لا تبعها منهم إلا غالية.

وتفسيرها أن ابن عبَّاد صحَّف الحيا زَيْن بقوله: الجيَّارين، إشارة إلى أن تلك المرأة لو كان لها حياء، لازدانت.

فقال له: والجبَّاسين. وتصحيفه: والخَنَا شَيْن. أي: وهي وإن كانت جميلة بديعة الحسن، لكن الخَنَا شَيْن. وهذا شاذ لا يُلحق.

وذكر في اليتيمة أن قَسْورة بن محمد كان من أولع الناس بالتَّصحيفات، فقال له أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب: إن أخرجت مُصحَّفاً أسألك عنه، وصلتك بمائة دينار.

فقال له: أرجو أن لا أقصر عن إخراجه.

فقال أبو أحمد: في تنور هينم حمد. فوقف حمار قسورة، وتبلد طبعه.

فقال له: إن رأى الشيخ أن يمهلني يوماً فعل.

فقال أمهلتك سنة. فحال الحول ولم يخرجه.

فقال له أبو أحمد: هو اسمك، قسورة بن محمد. فازداد خجله وأسفه. انتهى.

فانظر تبلد طبعه العراقي مع توقد ذلك الطبع الأندلسي، فمثل هذا مما يقضي لأهل الأندلس بكمال الفِطنة والتيقُّظ.

والمعجز الباهر لهم، ما حكاه بعضهم، أن ملكاً من ملوك طلب من وزيره أن يملِّكه ابنته، وكانت جميلة، فأبى، فحبسه ثم أطلقه بعد مدة، واستدناه إليه، وساءله عن حاله.

فقال: أندلسي.

يعني: أن ذُلِّيَ بيِّن.

فقال له: أندلسي.

يعني: أبذل شيء.

فقال: أندلسي.

يعني: ابذُل بيتي.

فقال له الملك: أندلسي.

يعني: أنذَلُ شيء.

فقال له: أندلسي.

يعني: أبذُل بنتي.

فقال الملك: أندلسي.

يعني: أُبدِل نيَّتي.

فقال: أندلسي.

يعني: ايدك ينبى.

ومثله في سرعة البديهة قول بلنْسي من أهل الأندلس، وقد سئل عن بلده، فقال: أربعة أشهر. يريد: ثلث سنة، وهو تصحيف بَلَنْسِية. انتهى.

وأما المعاياة، فقد ذكرت منها قولي: حسبك حسنك عزًّا غَزَّا قلوبنا فلوَيْنا الأعنَّة إلاَّ عَنْه.

وقد ذكروا منها ما وقَّع بعض الخلفاء إلى صاحب له، شكا الرعية من ظلمه: غرَّك عزُّك فصار قُصار ذلك ذلَّك فاخش فاحش فعلك فعلَّك تهدا بهذا.

ومنه: وقد وفد وصيف وصنَّف رجاله رجَّالة يريد يزيد الحائن الخائن الجائر الحائر فالتَقوا فالتَفُّوا فيالَ قِتالِ قَوْم قَوَّم حربهم حزبهم.

ومنه: يا بنيَّ نابني أمرٌ مجدود محذور، عليه علَّته تقرع تُفزع قلبي فلُبِّي والِهٌ وإله أحمدَ أحمدُ.

أخوه مصطفى طلع بدره تماما، وانسجم لفظه غَماما.

فأضاءت معاليه وأشرقت وأُغِصَّت حاسديه وأُشرقت.

ولقد لقيته بمكة جوار الرُّكن والحطيم، وهو مفحم قسٍّ وقيس بن الخطيم.

وأنفاسه ثمَّة طيبة النفح، وذكره المعنى من العقيق والسفح.

يراح إليه ويُغدى، وهو يتوسَّع ترفها وعيشا رغدا.

فكنت له مالكاً، وكان هو لي عقيلاً، أرتاد له معرسا فيهيئ لي مقيلا.

وكانت عشرتي معه فرشها المحامد، وخدمها الشاكر والحاسد.

شكراً يملأ سامعتي الغوْر والنَّجد، وحمداً يهزُّ عطفي السُّؤدد والمجد.

وذكر لي من حديث فراقه لمحلِّه، وتنكبه لشدِّ مطيَّته ورحله.

أنه كان في حجر خاله وهو دون التَّمييز، وقدَّر الله له المهاجرة فأصحبه في كنفه الحريز.

<<  <  ج: ص:  >  >>