ولِتُرنِّحْ عِطفي برقَّة لفظٌ ... منه عوِّدتُ لقطَ درٍّ نفيسِ
في رياضٍ كأنَّما لبستْ من ... حوْكِ صنعاء أفخرَ الملبوسِ
قد تحلَّتْ من طلِّها بعقودٍ ... وتجلَّتْ في حلَّة الطَّاووسِ
وزكَا عرفُ طيبِها فحسِبْنا ... نفحةً قد سرتْ من الفردوسِ
وتغنَّى مُبهْرمُ الكفِّ فيها ... بغِناءٍ يشوق شجْوَ النفوسِ
قد أتيْنا مسلِّمين فردَّتْ ... هِيفُ باناتِها بِخفضِ الرُّؤوسِ
قمْ نجدِّد عهودنَا يا ابنَ أُنسِ ... في رُباها فأنت خيرُ أنيسِ
فأنا في هواك محزون قلبٍ ... بين شوق مقلَّبٍ ورَسيسِ
وامْنح العينَ أن ترَى منك يوماً ... حسْن وجهٍ يُخفي ضياء الشموسِ
سطوراً كالمِسكِ فوق طروسٍ ... من شقيقٍ أحببْ بها من طروسِ
وأمِطْ لي عن سِين تلك الثَّنايا ... فعساهَا تكون للتَّنفيسِ
وأنشدني قوله:
حتَّى مَ يا ظبيَ الكِناسِ ... أحنو عليك وأنت قاسِ
أغريتَ بي سُقم الجفو ... نِ فملَّ منِّي كلُّ آسِ
ونسيتَ عهداً لم أكنْ ... أبداً له وأبيك ناسِ
مولايَ لا تمتدَّ في ... هجرِي فقد عزَّ المُواسِي
مرْني فأمرك بالَّذي ... تهوَى على عيني وراسِي
هذي الرِّياض قد انْجلتْ ... في حلَّتي وردٍ وآسِ
فاجْلُ المُدام أبا الحسي ... نِ وحيِّني منها بكاسِ
واسْتنطق الوترَ الرَّخي ... مَ عن الفُؤادِ وما يُقاسِي
وأنشدني قوله:
يا صاحِبي عجْ بالمطيِّ على الحِمى ... فعسَى تلوح لناظِريَّ شموسُهُ
فهناك يسْتملِي ابن مقلةَ قصَّةً ... منِّي فيكتُب والخدودُ طُروسُهُ
وأريك شوقاً لا يقاسُ بغيرِه ... بتوقُّد الجمراتِ كنت تقيسُهُ
بان الخليطُ فلا تسلْ عن حالتِي ... ما حال من قد بان عنه أنيسُهُ
ودَّعتُه ورجعتُ عنه كأنَّني ... ذو نشوةٍ كارتْ عليه كؤوسُهُ
لم أنسَ إذْ غنَّى له الحادِي ضحًى ... وتراقصتْ تحت الهوادِجِ عِيسُهُ
ورمَى ابن عمِّ الظَبي لي بإشارةٍ ... أخذ الفؤاد بها فهاجَ رسيسُهُ
لا غرْوَ أن جذب الفؤاد بنظرةٍ ... فرنُوُّ نجلاويهِ مِغناطيسُهُ
وأنشدني لنفسه قوله:
رشق الفؤاد بأسهمٍ لم تُخطِه ... ريمٌ يشوق الريمَ مهوَى قرطِهِ
من ذا عذيرِي في هوَى متلاعبٍ ... قد راحَ يمزُج لي رِضاهُ بسخطِهِ
أعطيتُه قلبي وقلتُ يصونهُ ... فأضاعهُ يا ليتني لم أعطِهِ
وثناهُ عن محْضِ المودَّة رهطُه ... فعناءُ قلبي في الهوَى من رهطِهِ
وقد اشْترطْنا أن ندوم على الوفا ... ما كنتُ أحسبُه يخلُّ بشرطِهِ
كيف الخلاصُ ركبتُ بحراً من هوًى ... شوقاً إليه فشطَّ بي عن شطِّهِ
علِّقْتُه ريَّان من ماء الصِّبا ... كالروضِ أخضلهُ الغمامُ بنقطِهِ
غضَّ الشَّبابِ وهذه وجَناتُهُ ... قد كاد يقطُر ماؤها من فرطِهِ
يجلُو عليك صحائِفاً وردِيَّةً ... رقَم الجمالُ بها بدائِع خطِّهِ
وتُريك هاتيك المعاطِف بانةً ... تهتزُّ ليناً في مُنمنَمِ مرطِهِ
وتُخامِر الألباب منه فكاهةً ... تُلهِي حليفَ الكأسِ عن إسفنْطِهِ
لو بتَّ تسْتملِي لطائِفه التي ... ضاهتْ بروْنقِها جواهِر سمطِهِ
لدَهِشتُ إعجاباً بلؤلؤ لفظِه ... ومددتُ كفَّك طامِعاً في لقطِهِ
قلت: هذا الشعر من الأشعار الباسقة، ما مدَّت الأيدي لالتقاط مثل درره المتناسقة. وأنشدني قوله: