للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابْقَ واسْلَمْ على المَدى لمُحِبٍّ ... لك يدْعُو غُدُوَّه ورواحَهْ

وعزم يوماً على التنزه في حديقة اتخذها مألف نشاطه، ومحل أنسه وانبساطه. فكتب إلى يستدعيني:

نتفدَّاك مُسْتماحَ الوِدادِ ... ثابتاً في حِفاظِه كودادِي

مُستباح الجَنى وطَلْقَ المُحيَّا ... ذا جَنَانٍ رَحْبٍ وبِشْرٍ بادِى

يا كريماً خصالهُ تجْذب الآ ... مال طبعاً لفضلِه المستفادِ

إثْمِدٌ للعيون بِشرُ مُحيَّا ... ك فكن مُفْضِلاً بذاك مُهادِي

وأجبْ مسعداً بلُقْياك داعٍ ... شَفَّه الشوقُ فهْو بالمِرْصادِ

وابْقَ سَلْماً ممتَّعا بأما ... نِيكَ على رَغْم مَعْطِسِ الحُسَّادِ

ما تداعَتْ إلى التَّدانِي أمَانٍ ... من مَشوقٍ أشواقُه في ازْديادِ

ولما قدمت من الحج كتب إلي، فأهدى لي البدر من بيت شرفه، والعيش في نضرة ترفه:

بُشْرَى بمَقْدَمِ خيرٍ منك مسعودِ ... أهْدَى لنا رَوْحَ أُنْسٍ منك معهودِ

أعاد أُنْسَ تدانينا وأسْعَدنا ... بعد التَّباعد حيناً في ذُرَا الجُودِ

فلْيَهْنِ معشرَ أحْبابٍ وحُقَّ لهم ... بأن يُهَنَّوا ببشرٍ منك مشهودِ

كما يحقُّ هَناءٌ للْجَناب بما ... رَوِيت من زَمْزم المُشْفِى لمقْصودِ

بُشْراك بشراك ما بُلِّغت من نِعَمٍ ... وما نعِمْتَ به من فضلِ مَعْبودِ

مُخَيِّمٌ بمِنًي حيث المُنى أَمَمٌ ... قريرُ عينٍ بموجودٍ وموعودِ

ُمتمِّماً بطَوافٍ نُسْكَ حَجِّك مَقْ ... رُوناً بحسْنِ قَبولٍ غيرِ مردودِ

مُيَمِّما سيِّدا مَن زاره وجبتْ ... له الشفاعةُ حقّاً غير مَجْحودِ

عليه أفضلُ ماصلَّى الأنامُ على ... جنَابِه مِن صلاةٍ عِدْلَ معدودِ

تُتْلى بأوْفى سلامٍ والرضا أبداً ... يَنْدَى على آلهِ والصحبِ بالجودِ

مُثْنٍ عِنانَك فوراً نحو طَيْبتِه ... عَوْدا لأحمد إذ هُو أحمدُ العودِ

فمن تطيَّب من دَارِيِّ تُرْبتِه ... يَشْتَمُّ ما عاش عَرْفَ المسكِ والعودِ

واُبْشِر بَحْمدك في الأخرى سُراك غَداً ... فما السُّرَى عند صُبْحٍ غير محمودِ

ودُمْ حَلِيفَ مَسَّراتٍ خَدِينَ تُقيً ... في ظلِّ سعدٍ نَدِىِّ العيشِ مَمْدودِ

واعْذُر أخاك بما أبْدتْ قريحتُه ... من رَوْح أُنْسِك لا من مثل جَلْمُودِ

واعْذُر تأخُّر خَجْلَي دون موعدها ... فما القضاءُ بمنْكورٍ ومجْحُودِ

فلا برحْتَ نعبمَ البْالِ مقتنِصاً ... بِيضَ الأمانِي بسَعْدٍ غير مورودِ

وردت علينا سنة من سني يوسف لم تدع للأنس وقتاً، ولم تبعث إلا إساءة ومقتا.

فأقبل الربيع وولى، ولم ندر أجاء أو لا.

وقد طمست آثار المسرات، عند ما قامت نوائب المضرات.

فذكرت أوقاتي معه، حيث مآربي به مجتمعة.

تشرف بحلاه، وتبتهج بعلاه.

وكان وعدني بإرسال بعض قطع، من نظمه المبتدع.

فكتبت إليه: رقعتي إلى الحضرة الشريفة صدرت عن ذهنٍ كليل، وحدٍ فليل، وقلقٍ كثير، وتصبر قليل.

وخاطر منقبض، وأسًى في الصدر معترض.

كيف والأنس تقلص ذيله، وأظلم دون الأمل نهاره وليله.

وهيض عضده، وغيض ثمده.

فليبك عليه الباكي، وليبث ما يجده من فقده الشاكي.

فهذا الورد كما جاء راح، وما تعطر به مجلس راح.

فهو لذلك شق جيبه بل قلبه حزنا، واستعبر حتى فقدت دموعه، فاستنجد للبكاء طلاً ومزنا.

وغطى رأسه بأكمامه، خجلان من سماجة أيامه.

وكان يقال له: اختشى ألم القطع فاحتسى الزعفران، وأما الآن فقد احتساه ليغيب حواسه عن آلام الزمان.

بل سمع بالنار تتسعر لاستقطاره، فناشد بأن يجعل بقبض روحه وألا يعذب باستنظاره.

وما زال يستجير من جور الدهر الخؤون، إلى أن رق له النسيم وحنت عليه الغصون.

فهذا حال الورد وهو زهر، فكيف حال صبٍ يدري مواقع الدهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>