فللأقلام قصبات سبقٍ أخذها يوم الفخر لدى الرهان، فلم يعلق غباره بعيون الرَّائين ولم تلحق به خطرات الأذهان.
تشيم بارقة السحر من من نفثاته، وتشتم عابقة الشِّحر من تنفُّساته.
يملأ الآذان بجواهر كلامه اللوامع، فلذلك تضِيق عند اسْتماع نقده المسامع.
بألفاظ أحسن من فتور ألحاظ الغواني، ومعانٍ أوقع من ترجيع أصوات الأغاني.
لا تمل شعره الرقيق الخواطر، حتى تمل نسيم السحر الرياض العواطر.
إلى أدب كزهر البستان، متروٍ بالصَّبيب الهتَّان.
وأنا بشعره مفتون فتنة مسحور، ولي منه كلَّ آنٍ ابتهاج ولدانٍ حور.
وقد أثبت له ما يطيل خطي الحظ ويبعث الانشراح، ويمحو الهموم عن القلوب ويثبت الأفراح.
فمن ذلك قوله:
مَددْت إلى الطبيب يدي فولَّى ... يُروِّح راحتيْهِ من الصَّلاءِ
فقلتُ أصابني عينٌ فأهْوَى ... إلىَّ وقال لي أثرُ الهواءِ
وقوله:
شرِّقْ على حكم النَّوى أو غرِّبِ ... ما أنت أولُ ناشبٍ في مِخْلَبِ
في كل يومٍ أنت نَهْبُ محاسنٍ ... أو ذاهبٌ في إثْر برقٍ خُلَّبِ
متألِّق في الجوِّ بين مُشرِّقٍ ... غَصَّ الفَضاء به بوين مُغرِّبِ
يبكي ويضحك والرياضُ بواسمٌ ... ضَحِكَ المَشيب على العِذار الأشْيب
أزَعمتَ أن الذلَّ ضربةُ لازِبٍ ... فنشِبْتَ في مِخْلاب بازٍ أشْهبِ
لعبتْ بلُبِّك كيف شاء لها الهوى ... مُقَلٌ متى تجدِ الواظرَ تلعبِ
زعمتْ عُثَيْمةُ أن قلبَك قد صَبا ... من لي بقلبٍ مثل قلبك قُلَّبِ
قد كنت آمُل أن تموت صَبابتي ... حتى نظرتُ إليكِ يا ابْنَة يَعْرُبِ
فطربتُّ ما لم تطْربي ورغبتُ ما ... لم ترغبي ورهِبْتُ ما لم ترْهبي
ولقد دَلفْتُ إليهم في فِتْيةٍ ... ركبوا من الأخْطار أصْعبَ مَرْكَبِ
جعلوا العيونَ على القلوب طلِيعةً ... ورَمُوا القِفارَ بكل حَرفٍ ذِعْلِبِ
ترمي الفِجاجَ وقلبُها متصوِّبٌ ... في البِيد إثْرَ البارِقِ المُتصَوِّبِ
هو جاءُ ما نفَضت يداً من سَبْسَبِ ... إلا وقد غمَستْ يداً في سَبْسبِ
تسْرى وقلبُ البرق يخفِق غِيرَةً ... منها وعينُ الشمسِ لم تنتقَّب
تطفْوُ وترسْب في السَّراب كأنها ... فُلك يشقُّ عباب بحرٍ زَغْرَبِ
تفْلِى بنا في البِيد ناصيةَ الفَلا ... حتى دُفِعتُ إلى عقيلة رَبْربِ
وافتْك تخلِط نفسَها بلداتها ... والحسنُ يُظهِرها ظهورَ الكوكِب
كفريدِةٍ في غَيْهبٍ أو شادنٍ ... في رَبْربٍ أو فارس في موكِب
تمْشِى فتعثُر في فُضول ردائِها ... بحياءِ بكرٍ لا بنَشْطِة ثيِّبِ
وقوله:
أين من أَودعُوا هواهم بقلبي ... وصلَوْا نارَهم على كلِّ هَضْبِ
كلما فوَّقُوا إلى الرَّكْبِ سهماً ... طاش عن صاحِبي وحلَّ بجنْبي
يشتكي ما اشتكيتُ من لَوْعِة الْبَيْ ... نِ كلانا دَامِى فؤادٍ وقلبِ
وقوله:
للهِ ما فعلَ المشِي ... بُ على فراقِك في شبابِي
أقْذَى عيونَ الغانيا ... تِ وفَتَّ في عَضُد الصِّحابِ
ظُلَم كَسَفْنَ مطالبي ... وتَفلْنَ في وجهِ التَّصابي
غَبَّرْنَ في وجهِ النَّدِي ... مِ ورنَّقتْ صَفْوَ الشرابِ
اللهُ لي من أبْقَعٍ ... صبَغتْ حُلوكتُه ثيابي
أقْوَى وأبلغُ في القطِي ... عِة من دعاءٍ مستجابِ
وافاك في بُرْدِ الغُرا ... بِ نَعَى الصِّبا نَعْىَ الغُرابِ
ألْبستُه ثوبَ الشبا ... بِ فكان أكْذَبَ من سَرَابِ
وإذا خضَبْتُ بَياضَه ... ضَحِك المشِيبُ على خِضابِي