للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونِسْبتي في قُصَيٍّ نِسْبةٌ وسَطٌ ... أعني بها نِسْبة المبعوثِ من مُضَرِ

ولستُ ذاكراً اسماً في مُراسلةٍ ... يُهْدَى بها النَّزْرُ من تَمْرٍ إلى هَجَرِ

هَضْماً لنفسِيَ عن قول الفقير كذا ... وهكذا في فُصول الآيِ والسُّوَرِ

وصل كتابك فملأ العيون ضياء ونوراً، والقلب فرحة وسروراً.

لكن شممت من اختصار نظمه إشارةً خفيَّة، وتوسمَّت في أفانين نثره عبارةً جليّة وتأولت الإشارة: الحرُّ بالقليل يقنع، وتأملت العبارة بما فيه كفاية ومقنع.

مترجِّياً وصل حبال الودّ، متمنِّياً قطع أمراس الصَّدّ.

على أنا أهل بيت لا نؤثر على الحب مذهبا، ولا نرغب عن قنطار منه بقنطار ذهبا.

وإن تواضع لنا الرفيع فبفضله، أو ترفع علينا الوضيع فعلى مهله.

وإن رأى المولى إتحاف العبد بما يملأ الفم عذرا، ويحدث لعلي محله ثناءً وذكرا.

ويقطع لسان الملام، فذلك إليه والسلام.

فراجعه بقصيدة أولها.

ما روضةٌ دبَّجَتْها السُّحْبُ في السَّحَرِ ... فدبَّجتْها يدُ الأنْواءِ بالزَّهَرِ

ويستجاد منها قوله:

وقد عرفتُ اليدَ البيضا له كرماً ... أما العصى فهْي للعاصِي بلا نكُرِ

أفْدِي الكليمَ الذي قد قال مُنبسِطا ... هذه عصايَ ولم يضرِب سوى الحجَرِ

إن الكليمَ حديدٌ في جَلالتِه ... لا سِيمَّا نَبْلُ رامي الأُسْد بالذَّعَرِ

والمُنْتَمِي المعتليِ في أوجِ نِسْبته ... لمُودِع الحِلْمِ حدَّ الصارمِ الذَّكَرِ

يسمُو بجّدَّيْن جَدٌّ قد أناف به ... على الحُظوظ وَجدٌّ سيدُ البشرِ

وُجوهُنا ونَواصِينا وأعيُننا ... مبذولةٌ لِتُراب المصطفى العطِرِ

ثم الوَصِىِّ ونَجْلَيْه معاً وهما ... ريْحانتاه ومن يُنْمَي لذاك حَرِى

منها:

مِن واصلٍ جاءنا حُرُّ القَريض وما ... من هاجرٍ جاءنا تمْرٌ إلى هَجَرِ

وجاءنا الدُّرُّ محمولا على صَدَفٍ ... وجاءنا العطْرُ يُذْكِى نَفْحَة الزَّهَرِ

وزارنا الغيثُ وَكَّافا على جَدَدٍ ... وجاءنا البحرُ فيَّاضاً على النَّهَرِ

من كل قَافيةٍ غنَّاءَ مُطْرِبَةٍ ... والشُّهْدُ فيما أتاني شِيبَ بالبَصَرِ

فرُحْتُ من راحِها المخْتوم مُنتشِياً ... لكن سكِرت بها في وَصْمِة العَكَرِ

وشعرُك الكاسُ قد سَرَّتْ أوائلُه ... لكن أواخرُه لم تخْلُ من كَدَرِ

لا بل هو الشُّهْدُ لا يصْفُو لعاسِله ... وليس يخْلُو مُجاجُ النحلِ من إبَرِ

لا بل هو الجيشُ سرَّتْني طلائعهُ ... وساءني بطْشُه بالبيضِ والسُّمُرِ

غادَرْنَ في منزلي أشياءَ من جَدَلٍ ... مُوسَّدٍ بين خَدْشِ النَّابِ والظُّفُرِ

هذا وهذا وما في القلب غيرُ هوًى ... قد حلَّ مني محلَّ النُّور من نَظَرِي

لكنَّ للشِّعر أطواراً يلُوح بها ... ولحديث شُجونٌ ليس كالغِير

مالي وللشِّعر والسِّتُّون قد أخذَتْ ... منِّي مآخذَها من سَطْوة الكِبَرِ

ولما وردت هذه القصيدة، خاطبه السيد أحمد بن النقيب، بقوله:

سَقَيْتَ زُلالَ الشِّعر هِيماً من الظمَا ... بجِلِّق حتى عن مواردِه كَلُّوا

فجازُوك أن زَفُّوا إليك عقِيلةً ... كذلك قد جُوزِى سَمِيُّك من قبلُ

وكتب إليه السيد المذكور أيضاً جواب أبيات:

لموسى يدٌ بيضاءُ في الشِّعر مالَها ... إذا ذُكِرتْ في مَحْفَلِ القومِ منكِرُ

وكنتُ أراه يُبْطِل السحرَ ماله ... بأشْعاره يَسْبِى العقولَ ويسحَرُ

تشوَّقْتُه إذْ غاب عنِّيَ بُرْهةً ... وأوْحشني بالهجرِ والهجرُ يعسُرُ

فآنَسَنِي منه بعَذْراءَ طَفْلةٍ ... شبِيهة بدرِ التِّمّ بل هي أنْوَرُ

فكنتُ كأني حين زارتْ سمِيُّهُ ... وبنْتُ شعيبٍ إذ أتَتْ تتبخْتَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>