وأدْجُو بليلٍ من ذوائبِ شعرِه ... فيا رَبِّ هل في لَثْمتي الثَّغْرَ من فُجْرِ
أفكِّر في يوم النوى ليلةَ اللِّقا ... فأذْرِى دماءَ العين من حيث لا أدْرِى
فأمْسَحُ في كافورةِ الجيد مُقْلتي ... عسى أنّ بالكافور دمعِيَ لا يجرِي
فما زال في ثَوْبِ الخلاعِة ظاهرِي ... وقلبي بذكْرِ الله يفتَرُّ عن دُرِّ
إلى أن قذفْتُ الشِّرْك عن صَفْو خاطرِي ... كما تُقذَف الأدْناسُ عن لُجُّةِ البحرِ
وقال فيه، بعد ما هلك:
ألا قُل لقُسْطْنطينيَّة الرُّوم إنني ... أُعادِي لقُسْطنطين اسْمَك والرَّسْمَا
لقد غيَّبْته في الثرى غير واجدٍ ... مُحِبًّا يُفاديه الحُشاشة والجِسْما
وقد تركتْني ساهرَ الطَّرْف بعده ... مُشتَّتَ شَمْلِ البالِ أرْتِقب النَّجْمَا
سأهجُر فيه خُلة الكأْسِ والهوى ... وأجْتنبُ اللَّذَاتِ أن عُدْن لي خَصْما
ولما خلص من هواه، وقفل من الروم إلى أرض مثواه.
محض أشعاره إلى التوسل والتشفع، وسمت همته إلى التنصل عن المدح والترفع.
فمما قاله في غضون ذلك، من نبوية:
ما زلتُ حَسَّاناً له ولبيْته ... ولصَخْرِ ذاك البيتِ كالخنْساءِ
أبْكي العقيقَ وساكنِيه وليْتني ... كنتُ المُخضَّب دونهم بدماءِ
وله، من مقصورة:
ومُذ نشرتْ صفحةُ البيد سُرَى ... رسمَتْ بالمنَسْمِ واواً للنَّوَى
وله:
قد ألِفْتُ لهموم لمَّا تجافتْ ... عن وِصالي الأفراحُ وازدَدْتُ كُرْبَهْ
فديارُ الهمومِ أوطانِيَ الغُرُّ ... ودارُ الأفراح لي دارُ غُرْبَهْ
وله:
لئن سلَبوني لُؤْلؤاً كنتُ صُنْتُه ... بأصْدافِ فكري لم يثقِّبْه ثاقبُهْ
وإن غلبتْني الأغنياء وطيَّشَتْ ... سِهامي وعيشى كان صَفْواً مشارِبُهْ
فللهِ قوسٌ لا يَطيشُ سهامُها ... ولله سيفٌ ليس تنْبُو مَضارِبُهْ
وله:
وجَنَّةٍ كالشقيق مِرآتُها اليومْ ... مَ صفَتْ من قَذاةِ عين الرَّقيبِ
خُضِّبتْ من دَم القلوب فما تُبْ ... صَرُ إلاَّ تعلَّقتْ بالقلوبِ
وله:
الصخرُ رقَّ لحالتي ياذا الفتى ... مذ صرتُ خنساءَ وقلبي قد عَتَا
يا أيها الرِّيمُ الذي ألْحاظُه ... سلَّتْ على العُشّاقِ سيفا مُصْلَتَا
كم ذا أُعانِي فيك أهْواءً وكمْ ... أصْلَى بنيرانِ الهوى وإلى متَى
الله أعلمُ لم أبُحْ بهواكمُ ... لكنما العينانِ فيما نَمَّتَا
أتُرَى زماناً مَرَّ حُلْواً بالحمى ... هو عائدٌ والعيشُ غضٌّ ثَمَّتَا
ما كان في ظنِّي الفِراقُ وإِنما ... قاضي الغرام عليَّ ذلك أثْبتَا
كم ليلةٍ للوصلِ قرَّبتِ الكرَى ... عطَس الصَّباحُ ولم أُجِبْه مُشِّمتَا
وعلى الذي نطَق الكتابُ بمدْحِه ... وأتى الخطابُ له بسُورةِ هل أتَى
منِّى صلاةٌ أجْتني نُوَّارَها ... من جَنَّةٍ عينايَ فيها نَمَّتَا
وله:
إنِ يغِب كلُّ صاحبٍ وصديقٍ ... والرَّزايا بساحتيك أنابَتْ
فاسْتمِدَّنَّ رَوْحَ رُوحِ نَبيٍّ ... إنَّ رُوح النبيِّ ما قطُّ غَابَتْ
وله، في موشم:
أفْدِى غزالاً تعرَّى من ملابسِه ... والجسمُ من ترَفٍ أضْحى كفَا لُوذَجْ
كأنَّه وطِرازُ الوشمِ دارَ به ... جسمٌ من الدُّرِّ فيه نَقْشُ فَيْرُوزَجْ
وله، في صائغ:
وشادِنٍ صائغ هام الفؤادُ به ... وحبُّه في سُوَيْدا القلب قد رسَخَا
ياليْتني كنتُ مِنْفاخاً على فَمِه ... حتى أُقِّبل فَاهُ كلما نفخَا
وله:
رَيْحانُ خدِّك ناسخٌ ... ما خَطَّ ياقوتُ الخدُودْ
وقَع الغبارُ بها كما ... وقَع الغبارُ على الورُودْ
وله في الدخان: