للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُبَّ ازْديادٍ كان للهُلْك داعياً ... كما كان في نبْت الجناح رَدَى النَّمْلِ

وما هذه الأيام إلا عجائبٌ ... تشابَه ما تُبْدِي من الجِدِّ والهَزْلِ

وقد طمَستْ أفْكارَنا بصُروفِها ... وأشْغَلت الخِلَّ الألُوفَ عن الخِلِّ

قوله: وهو في رتبة الذل، يريد تمحضه للمضروبية في أمثلة المحاة، ومن هنا تعلم سر قولهم فيه: الاسم المظلوم، كما لا يخفى.

وكان الجاحظ يعني بذلك إلزاقهم به الواو، التي ليست من جنسه، ولا فيه دليل عليها، ولا إشارة إليها.

ويشهد له قول الشاعر:

أنما البَهْنَسِيّ خطبٌ جليلٌ ... لا خطيبٌ ولا جليلٌ بقَدْرِ

زِيدت الياءُ فيه ظُلْما وعُدْوَا ... ناً كواوٍ غدَتْ بآخر عَمْرِو

وقوله: ورب ازدياد، من قوله:

وإذا استوتْ للنَّمْلِ أجنحةٌ ... حتى يطيرَ فقد دَنا عَطَبُهْ

ومن غرره، قوله من قصيدة يرثى بها أخاً له مات، وأرسلها على أبي الوفا العرضي، يعزيه في آخرها عن ولدين له ماتا، ومطلعها:

رُزْءٌ ألَمَّ وحسرةٌ تتوالَى ... ومُصيبةٌ قد جَذَّتِ الآمالاَ

وجليلُ خَطْبٍ لو تكلَّف حملَه ... ثَهْلانُ ذو الهضَبات هَدَّ وزَالاَ

وفِراقُ إِلْف إن أردتُ تصبُّراً ... عنه أردتُ من الزمان مُحالاَ

وعيونُ عَيْنٍ ليس تفتُر دائما ... عن سَكْبِ رَقْراق الدموع سِجَالاَ

بُعداً لدهرٍ شأنُه أن لا يُرَى ... إلا خَؤُونا غادراً مُغْتالاَ

نَغترُّ فيه بالسلامة بُرْهةً ... ونرى المآلَ تمحُّقاً وزوالاَ

ويُعيرنا ثوبَ الشَّبيبة ثم لم ... يبْرَح به حتى يُرى أسْمالاَ

قُبِّحتَ يا وجهَ الزمان فلا أرى ... لك بعد أن فُقِد الجمال جَمالاَ

ذاك الذي قد كان قُرَّةَ ناظرِي ... وقَرارَ قلبي بل وأعظمَ حالاَ

قد كنتُ أرجو أن يُؤخَّر يومُه ... عني ويَحْمِل بعديَ الأثْقالاَ

ويذوقَ ما قد ذُقْتُه لِفراقِه ... ويُمارسَ الأهوال والأوْجالاَ

فتطاولتْ أيدي المنيَّةِ نحوه ... وبقِيتُ فرداً أنْدُب الأطْلالَا

كنَّا كغُصْنَيْ دَوْحةٍ قطَع الرَّدى ... منها الأغَضَّ الأرْطبَ المَيَّالاَ

أو كاليديْنِ لِذاتِ شخصٍ واحدٍ ... كان اليمينَ لها وكنتُ شِمالاَ

أسَفِي عليه شمسُ فضلٍ عُوجِلتْ ... بكُسوفِها وعمادُ مجدٍ مالَا

لا كان يوم حم فيه فراقنا ... فلقد أطال الحزن والبلبالا

فسقى ضريحاً حَلَّه صَوْبُ الحيَا ... في كل وقتٍ لا يغيبُ وِصالَا

منها:

هيهات مَن لي بالرِّثاء وفَقْدُه ... لم يُبْقِ فيَّ بقيَّةً ومَجالَا

أفْحمتني يارُزْءَه من بعد ما ... كنتُ الفصيحَ المِصْقَعَ القوَّالَا

مَن لي بطبعِ اللَّوْذَعِيِّ أبي الوفا ... ذاك الذي بالسحرِ جاء حلالَا

مولًى إذا وعظ الأنامَ رأيتَه ... يُلْقى على كل امرئٍ زِلْزالَا

بزواجرٍ لو أنه استقْصَى بها ... أهلَ الضلال لمَا رأيتَ ضلالَا

مولايَ يا صدرَ الزمانِ ومَن غدا ... لبَنيه غَوْثاً يُرتجَى وثِمالَا

ذِي نَفْثةُ المصدورِ قد سرَّحْتُها ... لِحِماك تشْكو بَثَّها إدْلالَا

إِنَّ المُصيبةَ ناسبَتْ ما بيننا ... إِذْ حوَّلت بحُلولها الأحْوالَا

فثكلتَ مَخدومَيْن كلٌّ منهما ... قد كان في أُفْق السُّعود هلالَا

لو أُمْهِلاً مَلَآ العيونَ محاسِناً ... وكذا القلوبَ مَهابةً وكمالَا

ولَكان هذا للمعالي ناظراً ... ولكان هذا في طُلاها خَالَا

خطفتْهما أيْدي المَنونِ وغادرتْ ... ماءَ العيونِ عليهما هَطَّالَا

فأجابه بقصيدة، منها:

<<  <  ج: ص:  >  >>