كمال الدين بن أحمد طاشكبرى، قاضي العسكر الكمال وصفه الذي يعزى إليه، وعين الله عليه وحواليه.
فهو لم يشب بنقص، ولم يدخل بيت مجده خبن ولا وقص.
فغدا الفلك الدوار مطية آماله، واليمن مقروناً بيمينه وانتظام الشمل معقوداً بشماله.
وقد بلغ ماؤه عشراً في عشر، وتناسب بينه وبين الفضل لفٌّ ونشر.
وهو ممن إذا قال لم يترك مقالاً لقائل، وإذا أنشا أنسى سحبان وائل.
وله تشبث بالفنون الأدبية، ونظم ونثر بالتركية والعربية.
فمن شعره العربي قوله، من أبيات كتبها لبعض الصدور:
عاصفُ الحادثات أفْنانِي ... صَرْصَرُ الدهر بَذَّ أفْنانِي
كَمَدِي آدَنِي وأعْياني ... ارحموا سادتي وأعْيانِي
وله من رسالة يعتذر فيها عن عرض أسند إليه.
إن كنته،
وما أنا في حِفْظِ الوفا متضنِّعاً ... ولا أنا للزُّورِ القبيحِ مُنمِّقُ
وأنتَ فتدري ما اقْتضتْه جِبلَّتِي ... فما أدَّعي إلاَّ وأنت تصدِّقُ
ولكنَّ دهراً قد بُلِينَا بأهله ... أباحوا به ثوبَ النِّفاق ونفَّقُوا
والذي يعلم سري وعلانيتي في جميع حالي، لم يصدر عني ذلك الأمر ولا خطر ببالي.
وهل يليق بي أن أدنس العرض بمثل ذلك العرض، وأحشر في زمرة الكاذبين يوم العرض.
ووُدِّي أنتَ تعلمُه يقيناً ... صحيحاً لا يكدَّر بالجفاءِ
فلا تسمعْ لما نقلَ الأعادِي ... وما قد نمَّقوه من افْتراءِ
محمد بن عبد الغني، قاضي العسكر نادرة الزمن، ومبدي الخفي من الدقائق والمكتمن.
تباهت أولو المعارف من الانتماء إليه، ورفرفت أرباب الشعر بأجنحة الاستفادة عليه.
فهو رأس من برع في فنه، وشعشع راح الأدب في دنه وله نزعات تقف الآراء دون تحقيق مناطها، وتعنى الألباب فلم يهتد بيانها لاستنباطها.
تتوقد نار فكره، وتبتهج بين شرب المدام وسكره.
مع لطف الشيم، الهامية الديم.
وحسن الخصال، التي عمرت بها البكر والآصال.
وقد تميز بالرياسة ناهضاً بأعبائها، وحظي من السلطنة بتقريبها واجتبائها.
ولم يعطل من راحه راحه، ولم يسكن إلا إلى دعة وراحة.
وكان يؤثر الأفراح والقصف، ويكثر من النعت للراح والوصف.
وله غزليات بالتركية، يستشفى بها الخمار، وتتعاطى عليها الأسمار.
وأما شعره العربي فلم أر له إلا هذين البيتين:
قيل إن الياقوتَ أصلٌ أصيلٌ ... لجميعِ الجواهرِ الشَّفَّافَهْ
فلهذا المُكيِّفات جميعاً ... هي فرعٌ والأصلُ فيه السُّلافَهْ
يشير إلى ما قاله التيفاشي في زهر الأفكار، في جواهر الأحجار، ناقلاً عن بلينوس: الياقوت حجر ذهبي، وجميع الأحجار غير الأجساد الذائبة، إنما انعقدت وابتدت لتكون كلها ياقوتا، كما ابتدأت الأجساد الذائبة لتكون كلها ذهبا، فأقعدتها عن الذهبية العوارض.
وكذلك الأحجار إنما ابتدأت في خلقتها لتكون ياقوتا، فأقعدتها عن الياقوتية كثرة الرطوبة وقلتها، وقلة اليبس وكثرته، فلم تكن ياقوتا، فصارت حجارة حمراء، وبيضاء، وخضراء، وصفراء، وغير ذلك من الألوان. انتهى.
مصطفى بن عزمي، قاضي العسكر الهمام البذ الفرد، الذي اقتنص المعارف اقتناص الأسد الورد.
نفث في عقد النهى بلطفه المصقول، وملك بحسن تصرفه لب المعقول والمنقول.
مع لطائف تستنطق الجماد، وبدائع لو سمعها رضوى لماد.
إلا أن نهضه كان بشأوٍ قصيرٍ بين أقرانه، وذلك دليل مواربة الدهر معه وحرانه.
وربما انعطف عليه فرغم معطسه، فيرمى على غرةٍ قلب الصواب فيقرطسه.
وهو كما شاءت العلى، يزداد تواضعا كلما علا.
وتآليفه ساجل بها صوب الغمامة، وطوق الدهر بها طوق الحمامة.
وأنا بآثاره ونظامه ونثاره أضن بأمثالها، من الدهر بمثالها.
وإني لأتشوق إلى سماع مزاياه، تشوق الصمة إلى رياه، وأبى الخطاب إلى ثرياه.
ولم أقف له من الشعر إلا على قوله:
يا نفسُ عُوذِي بالكريمِ وجُودِه ... فهو الذي يُسْدِي إلينا نِعْمتَهْ
ويُنزِّل الغيثَ الذي يروِ الرُّبَى ... من بعد ما قَنَطُوا وينْشُر رَحمتَهْ
وقوله:
للهِ من رشأٍ كتائبُ لَحْظِهِ ... أهْلَ الصَّبابة غادرتْ مَأسُورَا