للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحال عِداهم صاغَةً وصَيارِفاً ... لصَرْفٍ دهاهم بالسيوفِ الشَّواغلِ

فأرْؤُسُهم أبدتْ بَواتِقَ في لَظىً ... من الحربِ شُبَّتْ من رِقاقِ العواملِ

فصَبَّ عليهم فضَّةً من سيُوفِه ... فرُدَّتْ نُضاراً من نجيعِ القواتلِ

كأنما السمعُ مِغْناطيسُ أنفسِهم ... فحيث مالتْ ترى الأرواحَ تُنْتَثرُ

ذوَتْ رياضُ أياديهم فلا ثمَرٌ ... يلُوحُ فيها ولا في دَوْحِها ثَمَرُ

وللفِرارِ إلى الأقطارِ قد نفَرُوا ... وما لهم معشرٌ فيها ولا نَفَرُ

فأصبحوا لا تُرَى إلا مساكنُهم ... وقد خلَتْ ما بها عَيْنٌ ولا أثَرُ

وتخْتُ تَبْرِيزَ نادى وهْو مبتهِجٌ ... هذا الزمانُ الذي قد كنتُ أنتظرُ

فيا مَلِيكاً له كلُّ الملوك غدتْ ... تدِين طوعاً وتأتي وهْي تعتذرُ

سِرْ وامْلك الأرضَ والدنيا فأنت إذاً ... إسْكَنْدرُ العصرِ قد وافَى به الخَضِرُ

فيا لَها نعمةٌ آثارُ مَفْخَرِها ... كانتْ لدولتِه الغرَّاءِ تُدَّخَرُ

ظِلُّ الإلهِ مُرادُ الله قد شرُفتْ ... به المنابرُ والتِّيجانُ والسُّرُرُ

أجَلُّ من وَطِىءَ الغَبْراءَ من ملِكٍ ... بأمْرِه سائرُ الأملاكِ تأْتمرُ

بعَزْمِه ظهرَ الفتحُ الذي عجزتْ ... عنه السلاطينُ قد أفْنَتْهمُ العُصُرُ

لو فاخرتْه ملوكُ الأرضِ قاطبةً ... ما نالَهم من معانِي فخرِه العُشُرُ

هل يسْتوي الشمسُ والمصباحُ جُنْحَ دُجىً ... ويسْتوي الجاريان البحرُ والنَّهَرُ

بَدا له في سماء المجد نُورُ هُدىً ... من دونهِ النَّيِّرانِ الشمسُ والقمرُ

وأصبح المُلك محروسَ الجَنَابِ وقد ... وافَى به المُسْعدانِ القَدْرُ والقَدَرُ

استعمال المثنى على هذا الأسلوب كثير، وأجود ما وقع إلي منه قول الشنتريني، من بلدة غرب الأندلس:

يا مَن يُصِيخُ إلى دَاعي السِّفَاهِ وقد ... نادَى به النَّاعِيان الشَّيْبُ والكِبَرُ

إن كنتَ لا تسمعُ الذِّكْرَى ففي مَ ثَوَى ... في رأسِك الواعِيان السمعُ والبصرُ

ليس الأصَمُّ ولا الأعمى سوى رجلٍ ... لم يهْدِه الهادِيان العَيْنُ والأثَرُ

لا الدهرُ يبْقَى ولا الدنيا ولا الفَلكُ الْ ... أعْلَى ولا النَّيِّران الشمسُ والقمرُ

ليَرْحلَنَّ عن الدنيا وإن كرِها ... فِراقَها الثَّاويان البدوُ والحضَرُ

تتمة القصيدة:

عَطفاً على عبدِك المَدَّاح ناظمِها ... فقلبُه من صُروفِ الدهرِ منكسِرُ

لا زال مُلكك دَوْرِيَّ السَّعُودِ فما ... يُرَى له آخِرٌ في الدهرِ يُنتظَرُ

بدولةٍ تُخلِق الأيامَ جِدَّتُها ... ما أزْهرتْ في الدياجي الأنجُمُ الزُّهُرُ

ولهذا الصدر ولد، أجل من دار حبه في خلد.

اسمه: عبد الحي، ويعرف بفائضي فائض الطبع متدفقه، متأرج روض الأدب متفتقه.

سلك الوعور من المعارف والسهول، وفاق على حداثة سنه الشيوخ والكهول.

إلا أنه اخترم في اقتبال، وأصيب للأجل بنبال.

وشبابه يقطر ما ويرف نما، ويغازل عيون الكواكب فضلا عن الكواعب إشارةً وإيما.

فكان ممن ثكلته النجابة، وتخلفت في الدعاء بطول عمره الإجابة.

فلبست عليه الغواني الحداد في الأحداق، وبكت عليه عيون السحب بالصيب المغداق.

ولم أقل له على شعر عربي، غير أني عربت له بعض مفردات.

فمنها قوله:

غَبْغَبُ مَن أهواه في جِيدِه ... تفَّاحةُ التفْريحِ للقلْبِ

وقوله:

والسَّرْوُ بالثَّلْجِ غدا مُجلَّلاً ... كأنه المغَارة البيضاءُ

وقوله:

يا صَبا الروضِ أخْبرِي ... أنتِ للأُنْسِ مَحْرَمُ

هل بنادٍ رأيتِ من ... عِقْد وُدٍ يُنَظَّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>