كفاك افْتخاراً أيها النجمُ أنَّ ذا الْ ... مآثرِ بدرَ المجدِ شمسَ ضُحَى العدلِ
حليفَ العُلَى نَجْلَ الحُسامِ المهذَّبَ الَّ ... ذِي عَزمُه ما زال أمْضَى من النَّصْلِ
ومن أشرقتْ شَهْباؤُنا بعلومِه ... وزُحْزِح عنها ظلمةُ الظلم والجهلِ
حباك ببَيْتَيْ سُؤددٍ بل بدُرَّتَيْ ... فَخَارٍ على أهلِ المآثرِ والفضلِ
فيض الله بن أحمد القاف، قاضي العسكر صدرٌ طاب في ورد وصدر، وصاحب قدر جاء للرياسة على قدر.
وروضة فضلٍ تندت أوراقها، وسحابة جود أرعادها صادت وأبراقها.
عنده مجمل الأدب ومفصله، ولديه حاصل الكلام ومحصله.
بلسانٍ يورد موارد الخيال، فيستخرج اللطائف من نبعه السيال.
وهو وإن كان من الروم خرج، فطبعه بالعربية البحتة امتزج.
ترنو البلاغة عن أحداقه، وتطغى الفصاحة بين أشداقه.
فإذا حاضر فما الدر إذا ارتصف، وإن شعر فما ابن الرومي إذا نعت أو وصف.
وله شعر من ندي القول ومخضله، ولا أعده إلا من فيض الله وفضله.
فمنه قوله، من قصيدته التي مدح بها السلطان مراد بن سليم، يذكر فيها فتح مدينة تبريز، على يد جيش أرسله السلطان المذكور.
ومستهلها:
للهِ دَرُّ جيوشِ الروم إذْ ظهروا ... على الرَّوافضِ إذْ صارت بهم عِبَرُ
كم أبْدَعوا بِدَعاً سَبّاً ومَظْلمةً ... لهم قلوبٌ يُحاكِي لِينَها الحجرُ
فالناسُ تجْأر للرحمنِ من يدِهمْ ... واللهُ يسمع منهم كلماجَأرُوا
وعندما اقْترب الجيشُ العَرَمْرَمُ مِن ... تَبْرِيز ثم بدا في ذاتهمْ خَوَرُ
فشجَّعوا أنفُساً منهم قد امْتلأتْ ... جُبْناً وقد طاشتِ الأحلامُ والفِكَرُ
ظنُّوا بأن الليالي نحوَهم نظرتْ ... فأخْطأَ الظنُّ لمَّا أخطأ النظرُ
وأمَّلوا سَحَراً من ليلِ كَرْبهمُ ... فلم يكُن لدُجَى أوْصابِهم سَحَرُ
لمَّا رأى بَأْسَنا حُمْرُ الرُّءُوسِ إذا ... فَرُّوا كما فرَّ من أُسْدِ الشَّرَى الحُمُرُ
قلوبُهم خشِيَتْ أبصارُهم عَمِيَتْ ... شاهَتْ وجوهُهمُ خوفاً وقد خسِرُوا
سَطَوْا بهم فتراهم ذَا يَفِرُّ وذَا ... عانٍ أسيرٌ وذا في التُّرْبِ مُنْعفِرُ
والنَّقعُ ليلٌ بَهِيمٌ لا نجومَ به ... تلُوح للعين إلاَّ البِيضُ والسُّمرُ
هذا من قول مسلم بن الوليد:
في عَسْكرٍ تُشرِق الأرضُ الفضاءُ به ... كالليلِ أنْجُمه القُضْبانُ والأسَلُ
وللعباسي، صاحب المعاهد ما هو أحسن منه:
يعقِد النَّقْعُ فوقها سُحُباً كالل ... يلِ فيه السيوفُ أضْحتْ نجُومَا
فمتى ما رأتْ سوادَ شياطي ... ن بُغاةِ الحروبِ عادتْ رُجومَا
وللمتنبي:
فكأنما كُسِيَ النهارُ بها دُجَى ... ليلٍ وأطْلعتِ الرماحُ كواكبَا
وقد نقله إلى مثال آخر، فقال:
نَزُور الأعادِي في سماءِ عَجاجةٍ ... أسنَّتُها في جانبيْها الكواكبُ
ولبعضهم:
نسَجتْ حوافرُها سماءً فوقها ... جعلت أسَّنتها نجومَ سمائِهَا
ولابن المعتز، فيما يضارعه:
وعمَّ السماءَ النَّقْعُ حتى كأنه ... دخانٌ وأطرافُ الرماحِ شرارُ
عوداً على بدء:
فالبِيضُ في يدهم صارتْ صَوالِجةً ... والأرْؤُس الْحُمْرُ فيما بينهم أُكَرُ
هذا البيت قد أخذ بأطراف اللطف والانسجام، إذ فيه المقابلة مع ذكر الحمر في تمثيل حال الأعاجم، وهو أحسن عندي من قول الصالحي:
كأنما الخيلُ في المَيْدان أرْجلُها ... صَوالِحٌ ورءُوس القومِ كالأُكَرِ
مع أنه توارد فيه مع ابن عبد الظاهر، في قوله في بعض رسائله: أصبح الأعداء كأنما جزر أجسادهم جزائر، أحاط بها من الدماء السيل، ورءوسهم أكرٌ تلعب بها صوالجة الأيدي والرجل من الخيل.
ومما يناسب ذكره في هذا المحل، وهو الغاية في بابه، قول الشهاب في السلطان مراد بن أحمد، حين غزا العجم:
غزا الفُرْسَ في جيشٍ أطلَّ عليهمُ ... بما لم يُشاهَدْ في القرونِ الأوائلِ