قاله المتيقن بصحة هذا النسب الأخطر، حاكماً بها على ما يوجبه الشرع المطهر.
حسين بن محمد بن أخي المفتي صدر الصدور، والبدر الذي تستضيء بأنواره البدور.
تألق وظلام الخطوب قد امتد، وأسفر وسواد القطوب قد اشتد.
فأشرقت به الدولة في ليلها المعتكر، وزهت به برجل أندى من الوسمي المبتكر.
ثم استوى رئيس هذه الطائفة، فأضحى ووفود الآمال حول حماه طائفة.
وكان كبراء عصره لنبالته يحسدونه، ويودون لو عدوا في دفتر المعتدين ولا يعدونه.
فانبعث سوء القول، وفتح باب العول.
وكان في قلوب الجند أغراضٌ خالجة، ومفاسد منذ زمانٍ والجة.
فوجد في جانب الخيار، وانبرم في الأمر معه في الحركة على الاختيار.
فدقوا عطر منشم، وسعوا سعى متذبذبٍ متحشم.
في فتنة يتأجج أجيجها، ويبلغ عنان الأفق ضجيجها.
فعدم اتفاقا، وحرم مناصرةً وارتفاقا.
واستشهد في كربٍ وبلا، مثل سميه بكربلا.
فتجرع أعداؤه غصص الحين، ورأوا بمقتله يوم الحسين.
وقد أوردت له مقطوعاً يدل على لطف مزاجه، وحسن طبعه الذي يحكي عطارد في قوة امتزاجه.
وهو قوله:
أيها المُبتلَى عليك بخمرٍ ... إنها للعليل خيرُ علاج
ثم لا تشْرَبَنَّ إلاَّ بمَزْجٍ ... أوَّلُ الواجبات أمر المِزاجِ
وكتب على إجازة الشيخ مسلم الصمادي، لولده الشيخ إبراهيم: الحمد لله الولي القادر، العالم بما في الضمائر.
والصلاة والسلام على رسوله محمد، المبعوث من أكرم القبائل وأشرف العشائر.
وعلى آله وأصحابه الجالسين على سرر اليقين، الوارثين معالم الدين كابراً عن كابر.
وبعد، فقد وقفت على ما في هذا الرق الفاخر من الإجازة، وعرفت حقيقته ومجازه.
فوجدته كالروض الفائق، وآثار الأجلة النعمانية فيه كالشقائق.
فيا له من سيدٍ سلم ارتقاؤه على سلم الوصول فبالحري أن يدعى بمسلم، وكان شهرة لواء إرشاده كنارٍ على علم.
لقن ولده الذكر وأجازه في التلقين، وجعل كلمةً باقيةً في عقبه يوم الدين.
ولله در النجل النبيل، سمي نبي الله الخليل.
حيث بسط للسالكين سماط الصمادي، فأضاف كل رائح وغادي.
بأنفاسه الأنسية، ونفحاته القدسية.
فهو في فنه وحيدٌ فريد، وسمع طبل اشتهاره من بعيد.
ولا غرو أن سلك المسلك الأسد، فإن هذا الشبل من ذلك الأسد.
جعلنا الله من المقتبسين من أنوارهم، والفائزين بمعالم آثارهم.
عبد الرحمن بن الحسام المفتي العلم المختلف إليه، والعلامة المتفق عليه.
ازدانت به الأيام ازديان الخد بالعذار، وقامت مواهبه العامة عما جنته الليالي مقام الاعتذار.
يحفه لطفٌ من الله تعالى مدارك، فيسمو إلى المعالي سمو المستبد لها من غير مشارك.
حتى ترامت الحظوة لديه، كعبيده الواقفين بين يديه.
إلى حيث لا يدركه أمل، ولا يبلغه إلا ذو علم وعمل.
تبذل النفوس أرواحها في رضائه، فلو غفل قلبٌ عن تمريضها عافته كل أعضائه.
وله سداد رأيٍ يعضده القضا، وحسام طبعٍ لا يخونه المضا.
فهو ينثر الدر إذا أخذ القلم، ومن يشابه أبه فما ظلم.
فحظه جارٍ بلا مثالٍ سابق، ولم يوجد قبله حظٌّ لحظه مطابق.
فقد أخذ من الجد بعنانه، وتصرف بالقلم كيفما شاء فكأن آية السحر في بنانه.
وقد طال إلى ديار العرب تردده، وبارت بها السحب الهواطل يده.
فما زالت تشكر آلاؤه حيث حلت ركائبه من البلاد، وتقيه الأعيان من النوائب، بالأنفس النفيسة لا بمنفوس التلاد.
وطالما تسابقت إلى مدحه القرائح، ودلت عليه الأقاويل بالكنايات والصرائح.
ثم استقر آخراً بمصر مخضر الأكناف، متوفر الأنواع من أسباب العيش والأصناف.
ولم يخل أيام إقامته فيها من مجالس يصرف إليها أعنة الاعتنا، وفي صحبة أودائه حزبٌ كأنهم ما خلقوا إلا للمدح والثنا.
ينتشون بغده إذا كروا ما مر لهم في أمسه، ويطالعون آثار الربيع فلا يرونها كآثار خمسه.
إلى أن أغمده منتضيه، فالله يعطيه من الكرامة ما يرضيه.
فمن شعره قوله، يمدح النجم الحلفاوي، خطيب حلب وعالمها:
عليك بنجْمِ الدين فالْزَمْه إنه ... سيَهْدِي إلى جِنْسِ العلوم بلا فَضْلِ
بنُورِ اسمِه السَّامي هدَى كلَّ عارفٍ ... إلى أنه شمسُ الهدايةِ والفضلِ
قال البديعي: ولما أنشدهما قلت بديهةً مخاطباً النجم بقولي: