للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفاض عليه الربُّ من سُحْبِ جُودِه ... فبحرُ عَطاهُ الجَمُّ للخَلْقِ واسعُ

فسدد من جمعه وأحسن، وأمعن فيما جمع وأتقن.

حيث أتى بمختص حسن، في تلخيص مطولات هذا الفن.

ولما أجلت نظري في ربوة حسنه وبهجته، وشممت من جانب واديه عرف شميمه ونفحته.

وجدته حديقةً أنيقة، مزينةً بأزهار المعاني الدقيقة.

وألفيته جامعاً من المسائل ما لا يوجد في المنقول، ومحتوياً من الأبحاث ما تعجز عن فهمه العقول.

أبر الله عمله، وحرسه من صوارف الدهر ويسر أمله.

محمد بن عبد العزيز بن سعد الدين المعروف ببهائي هو بين أسرة هذا النجر، ليلة القدر إلى مطلع الفجر.

شاهده تلق نجح الأمل، وانظر بناديه الشمس في الحمل.

أشرق في فلك البها، وحلي ببردة الازدها.

فبشره يعيد بشاشة النبت الجديب، ولطفه يمسح به الروض عطفي أديب.

مشمول الشمائل طيبها، منهمر المواهب صيبها.

أعْدَى الوجودَ بجُودِه ... فأباد سائرَ بُخْلِهِ

لا بُخْلَ فيه يُرَى سوى ... أن لا يجُود بمثْلِهِ

فعطاؤه يزيد الأعمار في نمائها، ويبقي وجوه الراغبين بمائها.

وإذا كانت أنعمه عند أوليائه، يغتبط بها أكثر ما تكون في أفيائه.

سرى ذكره في الآفاق، مسير الصبا جاذب ذيلها النسيم الخفاق.

فإذا تلقت الأرواح منها نفحات الثنا، تعطفت بها الأعطاف وتثنت الأثنا.

وقد جمع الله شتات الأدب باعتنائه، وأعاد فيه رونق الحياة بعد دثوره وفنائه.

في زمنٍ لم يبق فيه من إذا شدا مداحه هزته الأريحية، إلا قضب الربيع إذا شدت الأطيار تثنت من أصواتها الشجية.

فانكشفت ظلماؤه عن يقق، وازدهت رياضه من الوشي في أفخر شفق.

وانثالت إليه الوجوه من أهله، سالكين في صعب المديح وسهله.

فما خاب أحدٌ منهم في سراه، ولا صلد له زندٌ وراه.

وهو في الشعر التركي مجيد ملء فمه، وأما الشعر العربي فلا أحسبه جرى على قلمه.

وقد وقفت له على قطعةٍ بالتركية التقطت منها اللؤلؤ الفرد، ونقلته إلى العربية فها هو كماء الورد يدل على الورد:

وقد كُشِف الحجابُ فبَان عنه ... مُحيّاً أكْسَب الشمعَ اضْطِرابَا

وأخْجَلها بوجهٍ فاق نُوراً ... فصيَّرت الفِراشَ لها نِقابَا

وقد رأيت من منشآته هذه القطعة، كتبها على نسب أدهمي: حمداً لمن جعل الانتساب، إلى بعض الأنساب، من أوكد الأسباب، الناجعة في إنشاء ذخائر الحمد والثنا.

وأباح لأقدام المتشبثين بأذيالها، مواطىء العز ومدارج العلى.

ونصب لهم سلماً يعرجون فيه، إلى سماء السمو وفلك الارتقا.

مَرابِعُ قُدْسٍ نالَها كلُّ أقْدسٍ ... سَمَا مَن سَما مِن نائليها إلى السَّمَا

وصلاةً وسلاماً على من به بدئت نسخة الوجود والعطا، كما به ختمت رسائل النبوة والاصطفا.

وعلى آله وأصحابه الكرماء النجبا.

وبعد، فهذه شجرةٌ طيبةٌ أصلها ثابت وفرعها في السما، تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها.

وتفوح من كل زهرة منها روائح كأنها نوافح النوافج حسناً وطيباً، ويبدو من محاسنها ما يخاله الإنسان غصناً رطيبا.

كأنها اتصلت بأفواه عروقها عين الحياة، إذ انسحبت عليها أذيال نفحات الجنان بتلك الحسنات.

يا لها من شجرةٍ زكية تسد عين الشمس بأوراقها، وتعطر أعماق الثرى بطيب أعراقها.

ثابتةٍ في تربةٍ طالما ربت غصوناً طاميات، ودوحاً ناميات.

من أسفل سافلين، إلى أعلى عليين.

وجنة عالية، قطوفها دانية، وثمارها يانعةٌ غير فانية.

تورد أخدود خدودها حياءً وخجل، حيث تشرفت بلثم أنامل السيد الأجل.

ملك أقاليم الإطلاق على الإطلاق، وارث أسرة مقامات الكمل بالاستحقاق.

الذي أتحف الضرتين بطلاق، وقام في مقام الحمد على ساق.

فطوبى لمن له نصيبٌ في تلك الشجرة الرفيعة الشان، السامية المكان، المورقة الأغصان.

المشرقة الأنوار، المزهرة الأزهار، اليانعة الأثمار.

طوبى له ثم طوبى له كالشيخ الأجل، والصاحب الأمجد الأكمل، فلان؛ فإن فيه مما يشهد له ألسنة الأقلام، من أجلة العلماء الأعلام.

بصحة هذا النسب الباذخ، والحسب العاطس من أنف شامخ.

دلائل تدل على تلألؤ نور السيادة من غرته، وانبلاج صبح السعادة عن مفرق طرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>