للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد أتى مستغفِراً مُستشْفِعاً ... عبدُك المسكينُ هذا أسعدُ

مستغيثاً شاكياً من نفسهِ ... باكياً مما جَنتْ منه اليَدُ

منك فَتْحَ الباب أرجُو ضارعاً ... قارعاً أبوابَ فضلٍ تُرْصَدُ

منك يا غيثَ النَّدَى أرجو الهُدَى ... إن في الأحشاءِ ناراً تُوقَدُ

مَسَّنِي ضُرٌّ وكربٌ مُزعِجٌ ... في الليالِي بالتَّوالي أسهَدُ

طال أيامُ التنَائِي والأسَى ... يا طبيبَ القلب أنت المُنْجِدُ

يا حبيبَ القلب باللهِ الذي ... غيرُه سبحانَه لا يُعبَدُ

بالذي أعطاك قدراً عالياً ... ما لمخلوقٍ إليه مَصْعَدُ

بالذي أعطاك ما لم يعطه ... أحداص من خلقه يا سيد

بالذي أعطاك ما لم يُعْطِه ... أحداً من خَلْقِه يا سيِّدُ

عِدْ بلُطْف منك كُنْ لي شافعاً ... إن تُلاحِظْنِي فإني أسْعَدُ

لا تُخيِّبْني فإني سائلٌ ... سائلُ الدمعِ الذي لا يُطْرَدُ

سَلْ مِن الرحمن تَعْجِيلَ الشِّفا ... وانْشِراحَ الصدرِ لي يا أمْجَدُ

كلُّ مَن يرجو النَّدَى من بابِكمْ ... فهْو من نَيْلِ الأماني يسعَدُ

صَلِّ يا ربِّ على خير الورَى ... بصلاةٍ سَرْمَدٍ لا تنفَدُ

وارْضَ عن آلٍ وأصحابٍ همُ الْ ... عابدون الرَّاكعون السُّجَّدُ

ابنه أبو سعيد محمد المفتي بعد أبيه وجده، والمولى الذي خضع كل مجدٍ لمجده.

ورث المجد خلفاً عن سلف، وزها به مركز السيادة على زهوٍ وصلف.

بشيمٍ للنيرات بها تعلق، تستمد منها فضل توقدٍ وتألق.

وبلاغةٍ في مرتبة الإعجاز، كأنما استفيد منها الاختصار والإيجاز.

فهو قليل القول صادق العمل، مقصور الهمة على إنالة ما يهم من الأمل.

له صدر النادي، والصيت الذائع بشرف المنادي.

وأيدي الغبطة به عالية، وحال تلك الدولة به حالية.

حتى جربه الدهر بخطب من أخطاه سهمه، لكنه ازداد به عقلاً عقله وفهمه.

في وقعةٍ تخرب فيها قبيلٌ وعشير، وهلك فيها وزير ومشير.

فرقت بين روحٍ وجسد، وخلت بين تشفٍ وحسد.

فأصيب في ذخائر كان عبأ خباياه منها، وسلمت ولله الحمد نفسه التي لا عوض عنها.

وإذا بقيت النفس فلا التفات إلى الفان، وهي الأيام ليست إلا إغفاة أجفان.

فبقي بعدها منزويا، وفي خير الخير كما كان منطويا.

ولم يغفل لسانه عن شكر، ولا شاب فيها حالته المعروفة بنكر.

حتى طوى الحمام محاسنة الفاخرة، فالله يعوضه عن لذات الدنيا بنعيم الآخرة.

وقد ذكرت من آثار قلمه ما يروى لشرف الناظم، والمنسوب يصير عظيماً بالنسبة إلى الأعاظم.

فمن ذلك ما كتبه على طومار يشتمل على كرامات أبي الغيث القشاش التونسي:

أرى أسْطُراً في ضِمْن تلك الرسالة ... جداولَ من بحر الحقيقةِ سالَتِ

ومن مَنْبَعَيْ علمِ اليقينِ وعيْنِه ... أسالتْ مَعِينَ الحقِّ أيَّ إسالةِ

وفيها جَلتْ حالات حبٍ كأنها ... طَواوِيسُ جَنَّاتٍ تجلَّتْ وجالَتِ

وفي ضِمْنها تنْشِيطُ أهلِ محبَّةٍ ... وتنْبيهُ تعبيرٍ لأهل البِطالةِ

أبو الغيثِ نعم الغَوْثُ خيرُ وسيلةٍ ... إلى من به قد كان خَتْمُ الرسالةِ

قلت: أبو الغيث هذا آية الله الكبرى في الفنون، والنائل من مقامات القرب والتخصيص ما لا تتخيله الأوهام والظنون.

ومن أراد استقصاء أحواله، فعليه بتاريخي فهو موشىً بذكر أفعاله وأقواله.

وكتب على فرائض العلاء الطرابلسي، الإمام بجامع دمشق:

كتابٌ نفيسٌ للفوائد جامعُ ... مفيدٌ لطلاَّب المسائل نافعُ

على حُسْنِ ترتيبٍ تحلَّى مُجمَّلاً ... فقرَّتْ عيونٌ للورى ومَجامعُ

بَدا مُعْجِباً إذْ لم تَرَ العينُ مثلَه ... به نورُ آثارِ الفضائل لامعُ

لجامِعهِ فخرِ الأئمَّة سُؤْدُدٌ ... لرايات أنوارِ المكارم رافعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>