للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانهل صيب جوده وقد أربى على انهلال السحاب انهلاله فشتان بينه وبين البستان، أو الصيب الهتان.

وهيهات أن يكون من فيضه خاصٌّ كمن فيضه عام، أو من يؤتي أكله كل حينٍ كمن يؤتي أكله كل عام.

وقد أطلعه الله منظوراً بعين العناية المتواصلة المدد، ومحفوفاً بنهاية الرعاية على توالي الآنات والمدد.

حتى سمت رتبة الفتيا بعالي مقامه، وطرزت حللها الباهية بوشي أرقامه.

ثم فارقته ولم تصبر على نواه، فراجعها بعد ما استحلت بسواه.

فعاد روض الفضل إلى نمائه، وكوكب السعد إلى سمائه.

ولم يزل يكحل الطروس بميل يراعته، ويشفف الآذان بلآلىء براعته.

إلى أن ذبل بسموم المرض غض نباته، وقطفت بيد الحين زهرة حياته.

فمما يعد من زهرات بستانه، ورشحات أقلام بنانه، قوله في رثاء سليمان زمانه.

ألا أيها النَّاعِي كأنَّك لا تَدْرِي ... بما قلتَ من سوءِ المَقالةِ والنَّشرِ

سَلَلْتَ سيوفَ الموتِ في الدهرِ بَغْتةً ... وقد بلغَ السيلُ الزُّبَى من جَوى الصدرِ

وشَقَّتْ قلوبَ المسلمين جراحةٌ ... بصارمِ سيْفٍ قد مضَى ماضِيَ الأمرِ

سهامُ المَنايا من قِسيِّ صُروفِها ... أصابتْ بسهمٍ في ابْتسامٍ من الفجرِ

نسيمُ الصَّبا رقَّتْ بأشْجانِ فُرقةٍ ... حمامة ذات السِّدرِ حنَّتْ من الذُّعرِ

همامٌ على هامِ المَمالِك تاجُه ... أمينٌ رشيدٌ في الخلافةِ ذو قَدْرِ

أأعْنِي جواداً في جوادٍ بذكْرِه ... لقد سارتِ الرُّكبان في البرِّ والبحرِ

عزيمتُه في البحر كانت عظيمةً ... وهِمَّتُه فاقتْ على الأنْجُمِ الزُّهْرِ

وأيامُه كالشمسِ كانت مضيئةً ... وأعوامُه في الحسنِ أبْهَى من البدرِ

وما قيل إجْمالٌ لبعضِ صفاتهِ ... ولا يُمكِن التفصيلُ بالنظمِ والنثرِ

فهاتيك أوصافٌ لَعَمْري جليلةٌ ... فدُونَكها أبْهَى من الزَّهْرِ والزُّهْرِ

على عكس ما طاف البلادَ بجُنْدِه ... كشمسٍ غَرِيباً غاب في مَغْرِب القبرِ

صحائفُ أكْوانٍ تدبَّرتُ حَلَّها ... فصادفْتُها شرحاً لفنٍ من الهجرِ

على صفحةِ الخدَّيْن أمليْتُ مَا جَرى ... بأقلامِ أهْدابٍ من البُؤْس والضُّرِّ

شيخ الإسلام أسعد بن سعد الدين مناط الملك وملاكه، وقطب السعد الذي دارت عليه أفلاكه.

الشمس والقمر السعد، والمقتنص لشوارد المعالي بلا تحمل منةٍ لوغد.

تحلى بالرياسة في ميعة شبابه، وألقت السعادة أعنتها في بابه.

مرتقياً في رتبها طوراً فطورا، ترقى النبات ورقاً ونورا.

يزيد قدره ويوفي، وقد خلص من داء الغرض وعوفي.

فما قصرت له في أمرٍ يدان، وعنده انطفا قنديل سعدان.

فبوجهه مرآة النهار تصقل، ولديه تربط الأماني وتعقل.

وله في الصدارة تثبت الجبال، والاستقلال الذي ينسي الماضي منه الاستقبال.

فلولا مهابته إذا أقبل، لانتظمت على أذياله القبل.

وكان دخل الشام حاجاً فابتهجت بأضواء سعادته، وقارنت السعد الأكبر في بدء أمره وإعادته.

وفي رجعته إليها قابله البريد بمنصب الفتيا، ودعاه الدهر إلى هذا المقام الذي وقفت عنده العليا.

فنادته المعالي لبيك وسعديك، واليمن والنجح كما تشاء في يديك.

ولم يزل في هذا المركز حائزاً رتب الكمال، وعلى مشرع مجده تحوم طيور الآمال.

إلى أن وقعت فتنةٌ بين العسكر، اغبر لها أفق الكون وتعكر.

ثم انتهت إلى قتل السلطان عثمان، فانحرف عنه وعن آل بيته الزمان.

ولم يطل به العمر حتى طلحة وأنضاه، وأعمده في قراب القبر الذي انتضاه.

فلا زالت رحمة الله وبركاته، تحييه ما دامت تقل الفلك حركاته.

وقد أوردت من شعره قطعةً خضع لها البيان وسلم، وهي قوله في التوسل بصاحب الشفاعة صلى الله عليه وسلم:

يا رسولَ الله أنت المَقصِدُ ... أنت للرَّاجين نعم المسنِدُ

كلُّ مَن ناداك فيما نَابَه ... فاز بالإسْعادِ فيما يقصدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>