بميامن ما احتواه من ذكر الصالحين الذين تنزل الرحمة عنده وتحصل به الأجور، اللائق كتبه بالمسك والكافور على النحور.
بل بسواد أحداق الحور، على صحائف قدود ربات الحجال والقصور.
ذكرتهم بالدعاء الصالح، والثناء العطر الفائح.
وأثنيت على صاحبه الفائز الفالح، بالمدح العبق الروائح.
مستمداً من روحانيتهم العالية، متيمناً بحسن الانتظام في زمرتهم السامية، ومستطراً سحب همته الهامية النامية.
فقلت فيه مقرظا:
حقَّقتُ أن جمالَ الدين من زُمَرٍ ... حَلُّوا محلَّ سوادِ القلب والبصرِ
من أهلِ خِلقة تَجْريدٍ بها ادَّرَعُوا ... والتاجُ بَيْضتُهم تحمِي عن الضَّرَرِ
من مَحْتِدٍ عَبْقرِيٍ بَيْضُهم حَدَدٌ ... المُرْتوِي صدرهُم من رَملةِ الصَّدَرِ
المنتمِين إلى البازِ المُحقِّق في ... جَوِّ العُلَى الأشهبِ العالي عن النّظرِ
طُوبَى لمن إذْ جَلَى مِرآةَ خاطِره ... بخِرْقةٍ منهم تخلُو عن الكَدرِ
جمالُ ذي العصرِ في مَحْياه دام وإذْ ... حلَّت شَعُوب جمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ
بين الأُلَى فرأوْا عين النظيرِ به ... عين الفريدةِ في عِقْدٍ من الدُّرَرِ
فإن له ينبح الحُسَّادُ عن حسَدٍ ... فلا يضُرُّ عُواءُ الكلبِ للقمرِ
وله القصيدة الثلجية، وهي مشهورة بالقدس، نظمها لما كان قاضياً بها، وعين لها وقفاً وقراء يقرأونها كل ليلة في المسجد الأقصى.
ومستهلها:
ما الثلجُ ثَجَّ على ذا الطُّورِ والْحَرَمِ ... نُورٌ تجلَّى به الرحمنُ ذو الكرمِ
من عهدِ مُوسى تجلَّى لا نظيرَ له ... لكنَّه شاملٌ للعُرْبِ والعجَمِ
من جملتها:
من جانبِ الرومِ ضيفٌ قد ألَمَّ بنا ... أنْجَى الخلائقَ من جَدْبٍ ومن ألَمَِ
مُنَوَّرُ الوجهِ شيخٌ من محاسنِه ال ... بيْضَا يفيضُ بوجهِ الْبانِ والعَلَمِ
تأتي سليمانَ من سُحْبٍ أريكتُه ... فالرِّيح تحملها بالخيْلِ والحَشَمِ
تواضُعاً وجهُه في الأرضِ محتَشِمٌ ... فمن تخطَّاه قُلْ يا زَلَّةَ القدمِ
محمد بن فضل الله المعروف بعصمتي بحرٌ في البلاغة زاخر، ومولى كله مناقب ومفاخر.
يتسامى به دهره ويتعالى، ويتنافس به مادحه ويتغالى.
فموضعه من كرم الخيم وفضل العلى، موضع الإكليل من الرأس والعقد من الطلى.
وطبعه الروض إذا باح، بسر نوره نفس الصباح.
أصلف من ملح في ما، وأشف من زجاجة عن صهبا.
وله بنان تحل أقلامه ما عقدته الأوهام بالأسنان، فإذا دعا بيان المقال لباه سحر البيان.
فيأتي بورد خدٍ تحت ريحان طرة، وصبح فرق يسفر عن نهار غرة.
ولطفه مع المعاشرين، لطف ابن العشرين.
تفتر عن ثنائه الثنايا، وتحتوي على حبه الضلوع والحنايا.
وأنا لا أحسب أن في طبعه وصمة، وأن لا تجد منه العصمة.
وكان الدهر أغري بوهي بنائه، لتلونه تلون الماء في إنائه.
فلما رآه كالياقوت لا يتغير إذا ألقي في النار، عطف عليه ورفع له في الحظوة المنار.
فاستأنف لذاته وجددها، وأثبت مقاماته وحددها.
وتأزر بأثواب العلى وتردى، ولم تجد عنه السعادة محيداً ولا مردا.
إلى أن فاجأه الموت، وفات في أجله الفوت.
فلا زالت الديمة الوطفا، تحيي قبراً ضم منه كرماً ولطفاً.
وهذه شذرات من عقده، جئت بها خالصةً من زيف الشعر الداعي لنقده.
فمنها قوله:
أهلاً بمن فاق السِّماك مُخَجِّلاً ... شمسَ الضحى في رفعةٍ وسَناءِ
فكأنَّ لي فوق الثُّرَيَّا منزلاً ... علِقتْ بسُدَّتِه حِبالُ رَجائِي
وكتب إلى أستاذي عزتي:
يومكمُ نصفهُ تقَضَّى بنوُر الْ ... عِزِّ والنصفُ منه للقُرَناءِ
طالعِ الدرسَ بعد كل عِشاءٍ ... فالليالي تُعَدُّ للإحْياءِ
وكتب إلى المفتي أبي سعيد:
لا زلتَ في فَلك السعادةِ ساطعاً ... أنت الكفِيُّ بحاجتِي وحَسِيبي
أمَّلتُ حُظوةَ نظرةٍ من أجلِها ... أشْغلتُ ساحتَكم ببَسْط كُروبي
وكتب لبعض الصدور: