فلا تعتمدْ دهراً بُلِيتَ به فما ... ترى الخلق إلاَّ وهْو جاءٍ وراحِلُ
ومن حام فيه ساعةً مستمرَّةً ... على ما ارْتضاه فهْو ساهٍ وغافلُ
ولا تحتْظِي فيها البرايا فإنَّها الدَّ ... قيقُ وأنَّاتُ الدَّواهِي المَناخلُ
منها:
أيا نفسُ ما هذا التَّنافسُ في المُنَى ... أما تنظُرين الدهرَ ماذا يُحاوِلُ
يُروِّيك من ماءٍ أُجاجٍ مكرَّرٍ ... وأرْيُك منه سَلْسَلٌ وهَلاهِلُ
ترُومينَ عيشاً رائغاً ومَعالِياً ... وذلك سَفْسافٌ حوَتْه الحسائلُ
وأمْلَتْ لكِ الأيام في العصرِ بُرْهةً ... تمُرُّ بك الموتى وتجرْى المَحاملُ
وليلُ سبيلِ البَيْن أسودُ حالكٌ ... وتُصْطاد أنمارٌ به ورآئلُ
أتَسْري بدخْياءِ الليالي وأُطْفئتْ ... بتسْريحِ أرْواح الذنوبِ المَشاعلُ
بَنيْتَ دياراً قد نَبَتْ بك نَبْوةً ... وتُلْهيك رَوْضاتٌ بها ومَجادِلُ
ستثْوِي بقَاعٍ صَفْصفٍ وتحُلُّه ... أَو إلى خيول جُلْنَ فيه المغاسلُ
عَمُوا أيها الشَّافون منها جُيودهم ... ودوموا وقُوموا واستقيموا وحاملُوا
صَباحةُ فجر الوصلِ أبدتْ طَلاقةً ... ألا أيها الإخوانُ قوموا فناوِلُوا
كؤوسَ رحيقٍ فاح كالمسكِ نَشْرُها ... بنَشْوتها تُنْسى الرَّدى وتُجاملُ
تُسِيحُ صَمِيمَ القلب ظَمْياءُ كُرْبةً ... إذا أبْطأتْ في الدَّوْرِ تلك الذَّبائلُ
تجودُ بأفنانِ الذنوبِ جوارحِي ... وطَرْفي بأقْطارِ النَّداية باخلُ
أتاكِ إلهي صاغراً متأسِّفاً ... على ما جَناها وهْو جَدْواك سائلُ
مُقِرٌّ بما يكْبُو ويهْفُو وذاكرٌ ... كثيرُ خطِيئاتٍ أقَلَّ وعائلُ
أحمد بن زين الدين، المعروف بمنطقي هو وإن كان بدمشق مولده ومرباه، وبمائها وهوائها سقي فترنح غصن رباه.
فله من الفارسية أوفر قسم، ومن التركية ما يتخيل أنه وإياه روح وجسم.
ولحق بالروم فصار منهم، وإن لم يكن يفوق على أبلغ بلغائهم فلم يقصر عنهم.
فرمت له عن قوسها الروم، واتفقت على تفضيله الأعلام والقروم.
وعهدي بمن يفرق الرث من السمين، ويعرف فضل الورد على الياسمين.
يقول: إنه فطنٌ يتلهب شرار عفاره ومرخه، ومحسن إذا نطق بشعره، استوقف الطير في منقاره وزق فرخه.
وأشعاره متنفس خواطر الشعراء، ومن أراد محاكاتها في حسن التأدية نبذ بالعراء.
وقد أوردت من شعره العربي قطعةً تشهد له بالإحسان، شهادة الروض الأريض بفضل ماء نيسان.
وهي قوله:
سقتِ الرياضَ دموعُ عينِي الجاريَهْ ... فبدتْ تراجُعها عيونٌ باكيَهْ
وسَرْت لأغصانِ الوُرودِ فأصبحتْ ... أكْمامُها منها قلوباً داميَهْ
دمعِي تبدَّل بالشَّرارِ وكيف لا ... وجحيمُ قلبي فيه نارٌ حاميَهْ
ماذا عليَّ من الجحيمِ ولم تزلْ ... نارُ المحبَّةِ في وجودِي باقيهْ
يا سادةً لمَّا بدا سلطانُهم ... ملَك القلوبَ من الأنام كما هيَهْ
تلْوِي غصونُ قُدودهم أيدي الصَّبا ... وقلوبُهم مثلُ الحجارةِ قاسيَهْ
لم يبْقَ لي ثمنٌ يُقاوم وَصْلَكُم ... إلا المحبةَ والمحبةُ غاليَهْ
الجسمُ ذاب من الجفا والقلبُ رَهْ ... نٌ عندكم والرُّوحُ منِّي عاريَهْ
مُنُّوا عليَّ بنظْرةِ فوَحقِّها ... قسَماً بمَن أبْرَى النفوسَ الفانيَهْ
لو مَرَّ بي مَيْتاً نسيمُ ديارِكمْ ... سَرَتِ الحياةُ إلى عظامِي الباليَهْ
عطاء الله بن نوعي، المعروف بعطائي ضافي ذيل النباهة، صافي ماء البداهة.
ما أعافه طبعٌ، ولا جف له نبع.
وأنا أتحققه كلما أطاب، ولم يخرج من خزينة رؤيته إلا جواهر شفافةٌ ولآلٍ رطاب.