للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ألقى سحرتها سجداً مؤمنين برب حديثها القديم، قد رأوا من آياته عجباً من أسرار كهفه والرقيم.

لا بل هو قاموس البلاغة خاتمهم الأحمد المحمد، كيف لا يكون كذلك؟ وهو من العترة الطاهرة المحمدية ابن عبد الله محمد.

فعليه من السلام، أسنى سلام السلام.

ومن الإكرام، إكرام ذي الجلال والإكرام.

ومن التحيات أحيى تحيات الحي القيوم، ومن الرحمة رحمة الرحمن الرحيم المدخرة لذلك اليوم المعلوم.

ومن البركات أنمى بركات وأدومها وأزكاها، وأطيب الطيبات وأذكاها.

وبعد: فإنم الولد الفذ البذ، المتخلق من أطيب الخلال بما طاب وعذب ولذ.

نور مصابيح زجاجات القلوب، وروح الأرواح، وهز معاطف الأعطاف، ورنح أغصان الأشباح، وسر سرائر أسرار نفيس الأنفس بروح ريحان الارتياح.

وشرح صدور الصدور، بنفائس عرائس حور تلك المعاني المقصورات من الأعجاز في القصور.

اليت اقتعدت مقاعد الصدق من سطور تلك الصدور، التي كل مواضع مفرداتها ومركباتها من المنظوم والمنثور.

بملاك مغانيها العزيزة، في مقاعد أعجاز العزيزة كلها صدور.

فهي سماوات فضل دارت أفلاك فخرها بدراري أنوار فصل الخطاب، وأردان منيع رفيع قيمها بمصباح السليقة العربية التي اختارها الله لأفضل نبيٍ وأجل كتاب.

فلا برحت قريحته السمحة السليمة عذيب بارق نضاح ينابيع الأدب، ولا انفكت بحلته حسن رداء لواحق آداب من تأدب.

ذلك أنها أخذت بجميع مجامع أحاسن أجناس القول وفصوله، ولم تدع نوعاً من إحسان الإحسان إلا وأحاطت بذاتيه وعرضيه مقطوعه وموصوله.

ولا غادرت بهيج زخرف بديعٍ، إلا وسحبت فواضل حبر حسنه في ميادين إيجاز الإعجاز وتطويله.

محيطةً بفنون الافتنان فلذلك انتظمت في أساليب الحسن، كل فنٍ مفعمة بلطيف الإدماج المشيد بلطيف طريقه إلى استيعاب كل معنىً حسن.

لم تترك طريقاً من البلاغة إلا طرقته، ولا معنىً ذا أسلوبٍ من البلاغة إلا خرقته.

فلم تدع لمتكلم في قوس المعاني منزعا، ولا أبقت لمنطيقٍ من مواقع الإحسان موقعا.

فبماذا يجيء من حاول الجواب للقول الجامع، وقد أخذ من جميع طرق المحاسن بالمجامع.

إلا عسى بالإعادة تملى ما حوته من اللفظ والمعنى، والقنوع بهنات السرقات ومن ذا بالسرقات استغنى.

ولو شاء موشيها لترك للإجابة طريقة، ووسع بمخاطبته في الإشفاء لمطارحته طريقه.

فكم أردت ذلك فتبين بعد المناسبة بين بيانه وبياني، وكنت كلما حاولت ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني.

فلم أر في شرح البلاغة مجيزا، إلا أن أقابل بجديد فكري من ذهن منشئها ذهباً إبريزا.

لكن لزوم الإجابة، أوجبها مع الإصابة وغير الإصابة.

فلو استوى الابتداء والجواب في حسن المخاطبة، وأن لا يتفاوتا في كمال المناسبة.

سمي رجع صدىً جوابا ولا عدت حركات الجواب وغمزات العيون بين الأحباب خطابا.

لكن ذلك عجزٌ ملأ حوض سري سروراً حتى قال قطني، فلم أقرع على ما فاتني من الإحسان سني.

إذا كان فخراً ممن يقول أنت شجري، وأقول له أنت ثمري.

فغير بديع أن تفضل الثمرة الشجرة.

فليجعل الولد أكثر منه بره أن يعذر في الإساءة أباه، فضلاً عن الإحسان فإنه أباه.

ولكنه أعاد الفرح به شباب السرور، وشب نار الحياة في القلب فشبت في شبح الروح والحبور.

فلا برحت عزتك في العلوم النون، ولسانك في البيان القلم، وصدرك اللوح وما يسطرون.

والله سبحانه أسأل أن يجعلك ممن هو على خلق عظيم، وأجرٍ غير ممنون.

وألا يقطع عنا وعنك المرغبات بمعقبات رعايته، إنه حميدٌ مجيد، صبور رشيد.

وسلامٌ على المرسلين، وعلينا وعليك وعلى من لديك.

وقد سر أباك ما حققت في كتابك الأخير، مما أنعم الله به عليك وعلى الوالد العلامة لقمان بن أحمد، من ختم ذلك الكتاب النبيل، الكاشف لخرائد نكت القرآن وبيان بيان التنزيل، والتلذذ بعرائس بدائع دقيقه والجليل.

فليهنكم تلك النعم الكاملة، ونسأله أن يديم لكم ما خولكم من تلك الفواضل الفاضلة.

والسلام.

ومن شعر صاحب الترجمة، قوله في قصيدة، مستهلها:

يا راقدَ الليلِ لم يشعُر بمَن سهِرا ... أسْهَرْتَ عينِي فعيْني لا تذُوق كَرَى

تنامُ عنِّي وأجْفاني مُؤرَّقةٌ ... عَبْراءُ ما مَرَّها نومٌ ولا عَبَرَا

<<  <  ج: ص:  >  >>