سلبْتَ عقلي وأوْدعْتَ الهوى كبدِي ... يا مُنيتِي وملكتَ السمعَ والبصرَا
فأنْثني واضعاً كفّاً على كبدٍ ... حَرَّى وكفّاً يكفُّ الدمعَ حين جَرَى
يُدنِي ليَ الوهمُ غُصْناً منك أعشقُه ... حتى أكادُ أُناجِيه إذا خَطرَا
وأرفع الكَفَّ أشكُو ما أُكابِدُه ... أقولُ أنت بحالِي يا عليمُ ترَى
أدعو إذا جَنَّنِي ليلٌ ولي مُقَلٌ ... تفِيضُ دمعاً وقلبٌ ذابَ واسْتعَرَا
لا وَاخَذ الله مَ، أهْوَى بجَفْوتِه ... ولا مَلاَ مثلَ قلبي قلبَه شَرَرَا
ولا ثَناهُ الهوى وَجْداً ولا اكْتحلتْ ... عَيْناه مثلَ عُيوني في الدُّجَى سهَرَا
رَقَّ النَّسيمُ لتَبْرِيح الصَّبابة لي ... لمَّا انْثنَى ذيلُه من أَدْمُعِي خَضِرَا
والبرقُ شَقَّ جُيوبَ السُّحْب عن كبدِي ... والرعدُ حَنَّ وأبكَى دمعِيَ المطَرَا
يا صاحبي إن لي سِرّاً أُكاتمُه ... أخْفيْتُه من نسيم الرِّيح حين سَرَى
إن كنتَ تضمنُ لي ألاّ تبُوحَ به ... سمعتَ مِن سِبِّي المَكْنونِ ما اسْتَتَرا
شُوَيْدِنُ الحِلَّة الفَيْحاءِ أرْشَقني ... من لَحْظهِ بسهامٍ رَاشَها وبَرَا
رَمانِيَ الرَّمْيةَ الأُولَى فقلتُ بلا ... عَمْدٍ رَمانِي فأصْماني وما شعَرَا
وحين فَوَّق لي سَهْمَيْه ثانيةً ... بكيْتُ نفسِيَ واستْبكيتُ مَن حضَرَا
هذا من قول مهيار:
رمَى الرَّمْيَة الأُولَآ فقلتُ مُجرِّبٌ ... وكرَّرها أخرى فأحسستُ بالشَّرِّ
بكيتُ نفسي لعِلْمي أن مُقْلتَه ... لا بُدَّ تقتُلني ظُلْماً وسوف تَرَى
مُمَّنع الوصلِ لا يُرْجَى توَاصُلُه ... لو زَاره الصَّبُّ في طيْفٍ لما صَدَرَا
لا تَستطيع صَبا نَجْدٍ إذا خطَرتْ ... تُهدِي إلى الصَّبِّ من أكْنافِه خَبَرا
رَبيبُ مُلْكٍ كأنَّ اللهَ صوَّره ... ملَكاً وخيَّره بين الورى الصُّوَرَا
مُهَفْهَف القَدِّ لا يُطفِي لَظَى كبدِي ... إلاَّ ارْتشافي لَماه الباردَ العطِرَا
أغَنُّ يكسِر جَفْنيْه على حَوَرٍ ... يُذيبُ نفسِي ونفسي تعشقُ الحَورَا
بدرٌ على غُصن بانٍ في مَحبَّتهِ ... أكاد أعشق غُصْنَ الْبانِ والقَمَرَا
أُقبِّل الدُّرَّ من عِشْقِي لِمَبْسمِه ... لمَّا رأيتُ ثَنايَا ثَغْرِه دُرَرَا
وأدَّنِي الْبانةَ الغَنَّا إلى كبدِي ... لمَّا حكتْ قَدَّه المَيَّالَ إذْ خطَرَا
عليه كلُّ هلالٍ ينْحنِي أسفاً ... وكلُّ بدرٍ حَياً من وجهِه اسْتَتَرا
والنَّرجِسُ الغَضُّ غَضَّ الطَّرْف حين رَنَاواحْمَرَّ وردُ الرُّبَى من خَدِّه خَفَرَا
ذكرْتُه حين فاحَتْ لي مُعَنْبَرة ... رِيحُ الصَّبا وسرَى لي سِرُّها سَحَرَا
يا أيُّها القمرُ السَّارِي إذا خطَرتْ ... إليك عَيْناه واستحْلَى بك السَّمَرَا
أبلِغْه يا بدرُ قُل مُضناك أوْدَعنِي ... أُهدِي إليك سلاماً طَيِّباً عطِرَا
يُمْسِي سَمِيرِي ويبكي من صَبابتِه ... شوقاً إليك ويَرْعَى الأنْجُمَ الزُّهرَا
عسى أخوك إذا أخْبرتَه خَبَرِي ... يَرْثِي لحالِي فحالي شَجْوُ مَن نَظَرَا
وقوله:
يا طلعةَ البدرِ في دَيْجورِ أغْلاسِ ... ويا هلالاً على غُصْنٍ من الآسِ
يا من كتمتُ الهوى صَوْناً له فإذا ... فَاهُوا بذكْرِ اسْمِه غالطتُ جُلاَّسِي
يا مَن إذا ضُرِبت في حُبِّه عُنُقِي ... ما مالَ إلاَّ إليه مُسرِعاً رَاسِي
يا مُنْية القلبِ ما عنِّي أتاك فقد ... أوْحَشْتنِي يا حبيبي بعد إيناسِ
فقد أتاني حديثٌ منك أدَّبَنِي ... وزاد واللهِ في وَهْمِي ووَسْواسِي