للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكاد للطفه يطير مع الهوا، لولا تجاذبه علائق الأهوا.

وله شعرٌ يطرب المستمع، ويستشف صدق برقه الملتمع.

فمنه قوله:

في القلبِ من لَحَظاتِ الحبِّ أشْجانُ ... وفي الفؤادِ من الهجْرانِ نِيرانُ

وكيف أفْتُر عن ذِكْر الحبيب وفي ... قلبي جوىً وسحابُ الجفْنِ هَتَّانُ

وللفؤاد اشْتياقٌ في هوَى قمرٍ ... تُشْجِيه من نَغمات الطيرِ ألحانُ

وكم تعلَّقتُ بالإعْراضِ عنه وكم ... بكيتُ حتى بكَى لي في الحِمَى الْبانُ

وشَفَّني فيه وَجْدٌ لا أُطِيق له ... وكيف أصبرُ عنه وهْو فَتَّانُ

حسِبتُ أنّ الكَرَى في العشقِ يُسْعِدني ... فصَحَّ لي فيه أن القَوْمَ خُوَّانُ

قد كنتُ أملِك قَلبي قبل عِشْقتِه ... والآن قد رحلَتْ بالعقْلِ أظْعانُ

يا مُحرِقاً لفؤادٍ أنت ساكنُه ... رِفْقاً فقد فتكَتْ بي منك أعْيانُ

وكلُّ من لامَني في الحبِّ قلتُ له ... يكْفيك أنَّ عذابي فيه سُلْوانُ

أحمد بن الحسين بن أحمد بن حميد الدين ابن المطهر بن الإمام يحيى شرف الدين ذو عارضةٍ لا تعارض، وسليقة لا تقارض.

ونظم كالسحر إلا أنه حلال، ونثر كالماء إلا أنه زلال.

جاء في ذلك بالمعجز، في الطويل منه والموجز.

فيوجز لكنه لا يخل، ويطنب لكنه لا يمل، وكيف يمل، وتوفيق من أقاد العقول عليه يمل.

وهو باليمن سرٌّ للنباهة، وفرد في جودة البداهة.

وله الكتاب الذي سماه ترويح المشوق، ذكر فيه من نخب الأشعار ما هو ألذ من نظر العاشق في وجه المعشوق.

جردت من أشعاره التي أثبتها فيه ما يهز المعاطف اهتزاز النشوان، وكأنما هو سقط الندى على الأقحوان.

فمن ذلك قوله في وزان قصيدة يحيى بن مطروح، التي أولها:

بأبِي وبِي طَيْفٌ طَرَقْ ... عَذْبُ اللَّمَى والمُعتنَقْ

إيَّاك من سُودِ الحَدَقْ ... فهْي التي تكْسُو القَلَقْ

لا يخْدعنَّك حُسْنُها ... فالأمْنُ يتْبعُه الغَرَقْ

واحذَرْ مُلاطفةَ الغَوا ... نِي بالتذلُّل والمَلَقْ

يا أيَّها المولى الذي ... أنا مِن مَوالِيه أرَقّ

يا باخِلاً حتى بطَيْ ... فِ خيالهِ جُنْحَ الغَسَقْ

للهِ وصلُك ما ألَذَّ ... وطعمُ هجرِك ما أشَقّ

يا غُصنَ دُرٍ مائدٍ ... قد ضَنَّ عنَّا بالورَقْ

جَمع المَلاحةَ والطَّرا ... وةَ والحلاوةَ في نَسَقْ

كيف الخلاصُ لمُغرَمٍ ... لولا المَدامعُ لاحْترَقْ

لولاك ما دار الغَيُو ... رُ ولا تشبَّثَ بالعُلَقْ

يا أيها البرقُ الذي ... لخُفوقِه قلبي خَفَقْ

ارفُقْ سفَحْتَ مَدامعِي ... اخْشَ عليَّ من الغَرَقْ

أتظُنُّ أنك ثَغْرُه ... هيهات عنك الفَهْمُ دَقّ

ما أنتَ جوهرُه النَّفِي ... سُ إذا تبسَّم أو نَطَقْ

أقسمتُ من خَدَّيْك يا ... شمسَ المَلاحةِ بالشَّفَقْ

ومن الجَبِين بِنَيِّر الْ ... قمرِ المُنيرِ إذا اتَّسَقْ

ومن الغَدائرِ منك باللَّ ... يْلِ البَهِيمِ وما وَسَقْ

لم أنْسَ لَيْلاتِ العُذَيْ ... بِ وطِيبَ ذَيَّاك الأرَقْ

قصُرتْ ولكن طُوِّلَتْ ... أسَفاً بعاقبةِ الحُرَقْ

يا عيْشَنا الماضي اللَّذي ... ذَ وأنت بالذِّكْرَى أحَقّ

علِّي أراك عُلالةً ... ومن العُلالةِ ما صَدَقْ

وقوله:

يا رشأً أشْمَت بي العَواذِلاَ ... مالك جانبْتَ الوفاءَ عادِلاَ

ما زلْتَ تُولِيني صُدوداً دائماً ... قد نصبَتْ لي هُدْبُك الحَبائلاَ

أوْقَعْتنِي فيها فلَمَّا وقعْ ... تُ نفسِي ما حصَّلْتُ منك طائلاَ

<<  <  ج: ص:  >  >>