للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أليس من العجائبِ أنَّ ... عَزْمِي ليس بالْوانِي

وحظِّي كلَّما خالَلْ ... تُ من خِلٍ تعَدَّانِي

وبَدْرِي حاضرٌ ناءٍ ... فقُل في غائبٍ دَانِي

وما نَفْعِي بقُرْبِ الدَّا ... رِ مَعْ صَدٍ وحِرمانِ

فرُبَّ قريبِ أوْطانٍ ... يُعَدُّ بِعيدَ أوطانِ

أراني قد جُبِلتُ على ... هواكَ فلسْتَ تخْشانِي

وقلبِي بالورَى قَلْبٌ ... وقلبُك فيه قَلْبانِ

وقوله:

مُصدِّق الكاشِح والشانِي ... ومُرسِ الدَّمعِ من الشَّانِ

ذاك الي مُلْكُه مُهْجتِي ... من كلِّ يومٍ هو في شَانِ

مَن أجمعَ الناسُ على حبِّه ... لم يختلفْ في وصْفِه اثْنانِ

غُصْن من الدُّرِّ لذيذُ الجَنَى ... لكنَّه عَزَّ عن الجانِي

حلُو التَّثَنِّي والثَّنايا التي ... أزْرَت على بارقِ نَعْمانِ

أصْلَي فؤادِي نارَ هجْرٍ لنا ... مُقْتبَسٌ من خدِّه الْقانِي

أُعِيذه باللهِ أن ينْتَحِي ... ظُلْمِ بلا واضحِ بُرهانِ

إلاَّ على الشُّورَى التي أُودِعتْ ... إليه من زُخْرُفِ غَيْرانِ

يا لِي من الواشِي الغَيُورِ الذي ... أغْراهُ بالزُّورِ وأغْرانِي

لكنَّني لم أستمِعْ فيه قَوْ ... لَ الزُّورِ من إنْسٍ ولا جَانِ

يا ساحرَ الطرفِ الكحِيل الذي ... أخْرَجني من أرضِ سُلْوانِ

وكيف أسْلُو وغريمُ الهوى ... في كلِّ حينٍ يتَقاضانِي

أشْكُوك حالاً أنتَ أدْرَى بها ... يَرْثي لها شامخُ ثَهْلانِ

قد كِدْتُ أن أكتُمَها دائماً ... وإنَّما فِعْلُك ألْجانِي

فما عَدا فيما بَدَا بيْننا ... حتى تهاوَنْتَ بأيْمانِي

وأنْتَ قد أمَّنْتَنِي بعدَها ... سَطْوةَ إعْراضٍ وهجْرانِ

أخْلَفْتني أوَّلَ وعدٍ فهلْ ... أطمَعُ في الثالثِ والثانِي

ثَناكَ رِيحُ العَذْلِ عن وَالهٍ ... والرِّيحُ تَثْنِي غُصُنَ الْبانِ

قد كاد من قبْلِك أن ينْثنِي ... وإنَّما حَظِّيَ أقْصانِي

فهْو الذي أزْدادُ عِلْماً به ... يسْعَى لإقْصائِي وحِرْمانِي

وهاك عَتْبِي فاحْتمِلْه وإنْ ... أسأتُ عاملْنِي بإحْسانِ

وأنت في أوْسعِ حِلٍ ولا ... وَاخَذك اللهُ بأشْجانِي

واحْكُم بما شئْتَ وما تَرْتضِي ... فكلُّ ما يُرْضِيكَ أرْضانِي

وكلُّ أرْضٍ أنتَ ثَاوٍ بها ... تصيرُ من جُملةِ أوْطانِي

أخوه محمد أديبٌ كما تقترح، له طبع طيعٌ وخاطر منشرح.

اقتفى أثر أخيه في أسلوبه، فتم له ما جنح إليه على وفق مطلوبه.

فمن رآهما عرف ابني صاعد، وقال كلا الفرقدين محلهما غير متباعد.

فهما يدٌ وساعد في الاتصال، وجسمان والروح واحد لا يقبل الانفصال.

وقد ظفرت لهذا بشعرٍ قليل، لكنه على ما قلته في وصفه أول دليل.

فمنه قوله:

حُثَّ الْمَطِيَّ إلى الأوْطانِ يا حادِي ... أما ترى السَّعْدَ قد نادَاك بالنَّادِي

غدَتْ طَوالعُه بالسَّعْدِ تخبرُنا ... وجَوَّدتْه بإتْقانٍ وإسنادِ

عَساك تبلُغ بي الأحْوَى الذي فتكَتْ ... ألْحاظُه وأهاجتْ نارَ أكبْادِي

رمتْ فؤادِي على عَمْدٍ وما حفِظتْ ... عهدِي ولا أنْجَزتْ بالوصلِ مِيعادِي

مَن لي برَشْفِ رُضابٍ من مُقَبَّلهِ ... يَرْوِي ظَما قلْبِيَ المُستأْسِر الصَّادِي

<<  <  ج: ص:  >  >>