مَن لي بذلك في أمْنٍ وفي دَعةٍ ... من الوُشاةِ رَماهم سهمُ إبْعادِي
باللهِ باللهِ يا ريحَ الصَّباءِ خُذِي التَّ ... حيَّةَ مِن ذا الرائحِ الغادِي
وصِفْ هَواي وما ألْقاه من كَمَدٍ ... لِجيرةِ الجِزْعِ والباناتِ والْوادِي
هم أصلُ دائِي ولولاهم لمَا طرِبتْ ... نفسِي إلى شادنٍ في الحيِّ أو شادِي
ليت الغُوَيْر تُعِيد المُلتقَى لِشَجٍ ... كما مضَتْ وتساعِفني بإسْعادِي
وعَلَّ ساكنةَ الأحشاء تُطلِقُه ... لِمُغْرَمٍ مالَه من أسرِها فادِي
إبراهيم بن المفضل إمامٌ تحلى بحلية التقى، وبلغ في الزهادة غاية المرتقى.
اجتهد في العبادة من عهد شبيبته واهتم، وسهر الليالي ثم قال لما يكره الله نم.
ومع ذلك فهو في الأدب مجيدٌ ملء فمه، مطلع لأحاسن الشعر من طرف قلمه.
وفي القول حقه، وادعى حر الكلام فاستحقه.
وقد أوردت له ما تشتم منه نفساً عابقاً، ولا تجد عنه إلا بعد مناله عائقاً.
فمنه قوله في الغزل:
أورَث جَفْني الأرَقَا ... بجَفْنِه إذ رَمَقَا
ظَبْيٌ يُعِير قامةً ... إذا انْثَنى غُصْنَ النَّقَا
رشِيقُ قَدٍ سلَب الْ ... ألْبابَ لمَّا رشَقَا
صارمُ لَحْظيْه بمُهْ ... جةِ المُعنَّى مَشَقَا
صُبحُ جَبِينِه إذا ... أسْفَر جَلَّى الغَسَقَا
داءُ هواه أعْجزَ الرَّا ... قِي فما تُغنِي الرُّقَى
قد صار قلبي في هَوا ... هُ يا رِفاقِي مُرْتَقَى
ودمعُ عيني لم يزَلْ ... مُذ صَدَّ عَنِّي مُطلَقَا
وقوله:
دَعْنِي أكابِدُ لَوْعتِي وأُقاسِي ... أين الشَّجِيُّ من الخَلِيِّ القاسِي
باللهِ لا تُطلِ المَلامَ فإنَّ لي ... قلْباً عليلاً مالَه من آسِ
في حُبِّ مَن يحْكِي الصخورَ بقلْبِه ... والقدُّ منه حكَى قَضِيبَ الآسِ
يُخْفي الغزالة إن بَدا في حُسْنِه ... ويفُوق بدرَ التِّمِّ في الأغلاسِ
شمس الدين أحمد، وبدر الدين حسين ابنا يحيى بن المفضل كوكبا كوكبان، اللذان ظهر فضلهما وبان.
توافقا صبغة وصنعة، وتظاهرا نعمة ومنعة.
فجمعا من المكارم ما به المجد يتأثل، وبمحاسنه الفضل يتمثل.
يضمان يديهما على الفضة والذهب، فلا يمسيان إلا والفضة انفتضت والذهب ذهب.
وقد ذكرت لهما ما لا يشبع منه الناظر، ولا يروى من الخاطر.
فمن شعر الشمس النير الأكبر قوله، من قصيدة كتب بها إلى أحمد بن حميد الدين صاحب الترويح.
ما ابتسمَ البرقُ ولا أبْرَقَا ... إلا وأشْجَى قلبيَ المُحْرَقَا
ولا تغنَّتْ وُرْقُ بَانِ الحِمَى ... إلا جَرى دمعي الذي مارَقَا
ولا سرَتْ نَسْمةُ رِيح الصَّبا ... إلاَّ وأهْدتْ عَرْفَ رِيمِ النَّقَا
مُهَفْهَفٌ يُزْرِي بشمسِ الضَّحى ... ويُخْجِل البدرَ إذا أشْرقَا
حاجِبُه المَقْرون عن مُقْلتي ... قد حجَب النومَ فلن يطرُقَا
وطَرْفُه النَّعْسانُ من قوسِه ... بسَهْم ذاك اللَّحْظِ قد فُوِّقَا
وخَدُّه الوردِيُّ قد حَفه ... زهرٌ ونَسْرِينٌ به نُمِّقَا
وثَغْرُه قد زانَه مَنْطِقٌ ... للهِ ما أحسنَه مَنْطِقَا
ورِيقُه الجارِي على دُرِّه ... يشْفِي جَوَى قلبي الشَّجِي لا الرُّقَى
وجِيدُه السَّامي يفُوق الظُّبا ... فحقَّ أن أصْبُو وأن أعشَقَا
وقَدُّه ما رُمْتُ تشبيهَه ... بالغُصْنِ إلاّ كان ذا أرْشَقَا
ما خلَق الرحمنُ في خَلْقِه ... مِثلاً له كلاَّ ولن يخلُقَا
ولا رأيْنا في الورَى مُشْبِهاً ... لمَّا غدَا في دهرِنا المُنْتقَى