عذَّبْتَه يا وَقالك اللهُ ظالِمَهُ ... وهْو المُبرَّأُ عن ذنبٍ وإجْرامِ
أقْوَتْ مدارسُ صبرِي مذ نأيْتَ عَفاً ... لم يبْقَ منها سوى نُؤْيٍ وآرامِ
ظننتُ مَهْلاً غرامِي فيك وهْو معي ... كالحافِظَيْن ومِن خَلْفِي وقُدَّامِي
صحِبْتُه والهوى بُرْدِي ومعهدُه ... عَهْدِي وحُلَِّته حَلِّي وإبْرامِي
وإذْ لُباناتُ خِلِّي في الغرام لُبا ... ناتِي وأحكامُه في الحبِّ أحكامِي
وكنتُ والكونُ مسروراً بمَأْرُبتِي ... ولا أخاف مَلاماً غِبَّ إلْمامِي
أيامَ كنتُ ولا أخْشَى جَفاك ولم ... أحْفِل بتحْفيل عُذَّال ولُوَّامِ
ويا زمانَ التَّصابِي لا عَداك من الْ ... وَسْمِيّ أغْدَق غيثٍ هامعٍ هامِي
يسْقي مَعالمَ أُنْسٍ كم قطعتُ بها ... ساعاتِ دهري وأيَّامي وأعْوامِي
واهاً على سالِفٍ منها ظفِرتُ به ... كأنه إذْ مضى أضْغاثُ أحْلامِ
يقِلُّ منِّي عليه حين أذكرُه ... كَفٌّ يُعَضُّ وجَفْن دَمعُه دامِي
ومُهْجةٌ حَشْوُها ممَّا أُكابدُه ... نارٌ وَقُودٌ وجسمٌ حِلْفُ أسْقام
ويا رَبِيبةَ مُلْكِ الحُسْن ليس يُرَى ... في غير حُبِّك إسْرارِي وإحْرامِي
ولا ورَبِّك ما إنْ عَنَّ في خَلَدِي ... سِوَى هواكِ ونعمَ الناشىءُ النَّامِي
مُكِّنتِ منه مَحَلاً دون مَبْلغهِ ... صَدَّتْ نوازِعُ أفكارٍ وأوهامِ
عَقِيلةَ الحيِّ مُلِّكتِ السَّنا وبه ... ملَكْتِ كلَّ رقيقِ القلبِ هَيَّامِ
ضارعْتِ مثلَك في البَيْداء سالفةً ... أختَ الغزالةِ مَهْوَى قُرْطِك السَّامِي
ومُقْلة ما شَبَا الهِنْديُّ يوم وَغىً ... منها أبَتُّ لأكبادِ وأجسامِ
رَنَتْ فكم طار من حِجْرٍ لذي أدَبٍ ... طَيْرَ الحمامةِ خوف النَّابِل الرَّامِي
ذاتَ الفِراخِ نأتْ عنها محلَّتُها ... وقد دَجَا الليلُ في ظلمٍ وإظْلامِ
وقبلَ عَيْنيك ما إنْ دار في خَلَدِي ... أسْحارُ بابِلَ في ألْحاظِ آرامِ
حَكمْتها في عذابِي فعْلَ غانيةٍ ... لم تعْرِف العدلَ في تصْريفِ أحْكامِ
لولاكِ ما باتَ طَرْفِي غيرَ ذِي طَمَعٍ ... من المنامِ بإسْعافِ وإلْمامِ
وقد ملكتِ فؤادِي فاسْمحِي كرَماً ... فإنه قلبُ ماضِي العَزْم مِقْدامِ
وليس قبلَك يا أختَ الغَزال سَطَتْ ... بباسِلٍ في عَرِين الأُسْدِ صَمْصامِ
إذْ كنتُ لا أتوَقَّى هَيْبَ نازلةٍ ... حتى بُلِيتُ بحبٍ منكِ قَصَّامِ
كالشمسِ عُذْر محبٍ صار فيك لَقىً ... عن عَذْلِ كلِّ غليظِ القلبِ لَوَّامِ
باتتْ إليك نجومُ الأفق شاخصةً ... تَحْديقَ طالبِ حُسْنِ منك مُسْتامِ
والبدرُ لمَّا حكَى مَرْآكِ كان له ... معنَى الجمالِ وفيه بعضُ إيهامِ
وما سرَى الرَّكْبُ في أرضٍ حلَلْتِ بها ... إلاَّ على ضوءِ ثَغْرٍ منك بَسَّامِ
وأهْدَتِ الرِّيحُ منها مَنْدَلاً عطِراً ... ألْوَى بنَفْحة طِيبِ الهندِ والشَّامِ
وقد ملكت كتابَ الحُسْن منفرداً ... ظفِرْت منها بأنْواعٍ وأقْسامِ
وله من قصيدة يمتدح بها ضياء الدين إسماعيل بن محمد بن الحسن:
ما غرَّد بُلْبُلٌ وغَنَّى ... إلاَّ وأضلَّنِي وعَنَّى
في حبِّ مُهَفْهَفٍ غَرِيرٍ ... من حُسنِك يا هلالُ أسْنَى
البدرُ يغَارُ إن تبدَّى ... والغصنُ يموتُ إن تَثنَّى
والظَّبْيُ إذا رأى رَنَاهُ ... والجِيدُ يكاد أن يَحِنَّا
لو شاهده العَذُولُ أضْحَى ... فيه قلِق الوِسادِ مُضْنَى