إيَّاك إيَّاك أن تعدِل بها بلداً ... هيهاتَ ما الدُّرُّ والحَصْباء سِيّانِ
تاهَتْ على الأرضِ ما نَهْرُ الأُبُلَّةِ والْ ... وادِي المُقدَّسِ أو ما شِعْبُ بوَّانِ
السادة بنو الحجاف: السيد زيد بن علي أمير المخا، وخليفة المزن في السخا.
من سروات الأشراف، كريم الأسلاف والأطراف.
له خليقةٌ بذل المعروف ديمتها، وسجيةٌ نجدة الملهوف شيمتها.
ولاه المتوكل المخا فكان بخا حظاً زائدا لا ينتقص، وحرماً آمنا لا يباح صيده ولا يقتنص.
وله في أحكامه سيرةٌ رضية، وعزيمةٌ ما تخلفت بها عن حكمه قضية.
وأما أدبه فروض نسام، كأنه في ثغر الدهر ابتسام.
فمن شعره الذي لفظه بحره، وتزينت به لبة الزمان ونحره.
قوله:
ولي عَتْبٌ عل قومٍ أساءُوا ... مُعاملتِي وسامُوني اغْترارَا
جنَوْا عَمْداً وما راعُوا حقوقاً ... وما اعْتذروا وسامُوني صَغارَا
سأضربُ عنهمُ صَفْحاً وأُغْضِي ... مَخافةَ أن أُقلِّدهم شَنارَا
ولو أنِّي ركبتُ مُتونَ عَزْمِي ... إذاً لَسقيْتُهم مُرّاً مِرارَا
ولو أنِّي همَمْتُ بأخْذ حَقِّي ... لَولُّونِي ظُهورَهمُ فِرارَا
فأجاه بعض أصحابه بقوله:
لك العُتْبَى ومنك الصفحُ يُرْجَى ... إذا لم تسْتَبنْ مهم وَقارَا
وإنَّهم جنَوْا عمْداً وجَهْلاً ... وما راعوا ولا طلَعوا اعْتذارَا
فإن البدرَ لا يثنِيه شيءٌ ... من العجْما صِياحاً أو جُؤارَا
وأنت على أذاهمْ ُُو اقْتدارٍ ... عَلِيٌّ أن تُسامَى أو تُبارَى
فطِبْ نفْساً فكلُّهُم ذليلٌ ... لِعزَّتك اخْتياراً واضْطرارَا
وله:
أقول للوردِ لمَّا افْتَرَّ مبتسِماً ... صنَعتَ فيما أراه صَنْعةَ الأدبِ
في فِيكَ لي صدقُ وُدٍ قد أضِنُّ به ... شَيْءٌ من الضَّرَبِ الحالِي مع الشَّنَبِ
ومن بدائعه قوله:
ومالِي وللهمِّ الذي أنا حاملٌ ... ولي صِلةٌ من لُطْف ربِّي وعائدُ
إذا عادةُ اللهِ التي أنا آلِفٌ ... تذكَّرتُها هانتْ عليّ الشدائدُ
فلا أتَّقِي هَوْلاً وأرْهبُ طارِقاً ... ولي ثِقةٌ باللهِ ما قام عابدُ
السيد عبد الرحمن بن الحسن القاسمي صاحب يدٍ في القريض وساعد، وجدٍ إلى أفق النيرات صاعد.
يزرع الدر في أرض الطروس، فيقتطف ثمارها طيبة المجنى والغروس.
بعبارات عذبت فأغنت غناء الثنايا العذاب، وإشاراتٍ يذيب بصوغها القوافي فتؤدي رونق الذهب المذاب.
وقد أثبت له ما يروق تطريزه، وينفق في سوق الأدب إبريزه.
فمن ذلك قوله، من قصيدة:
ألا أيُّها البرقُ الذي لاح من بُعْدِ ... فهيَّج أشْجاني وجدَّد لي وَجْدِي
ومِيضُك من قلبي وغَيْثُك أدمُعِي ... ومن زفَراتي والبُكا حَنَّةُ الرعدِ
وقد أنْحلتْ جسمي مَرارةُ مُهجتِي ... ومُنْهمرِ الأعْيان قد خَدَّ في خَدِّي
عَساك إلى الأحْبابِ تُهْدِي تحيَّتي ... وتُخْبرني عن دارِ هندٍ وعن هندِ
منها:
ففِي مُهْجتي من طولِ ذا البعدِ والنَّوى ... بنارٍ وقد ذاب الفؤاد من الفقدِ
فيا ليت أحبابِي لِما بِيَ شاهَدُوا ... ويا ليت شِعْرِي كيف حالُهُم بَعْدِي
ومنها:
مَنامِي طَرِيدٌ من فِراق أحبَّتِي ... وقلبيَ لا يقْوَى وُقِيتُم على الصَّدِّ
فهل عندكم للعهدِ عند وَداعِنا ... وفاءٌ فإنِّي لا أحُول عن العهدِ
وقوله:
أولَى وأحْرَى بالمَلامةِ لُوَّمِي ... منّي وأجْدَى بالجِدالِ المُبْرَمِ
لامُوا على أن ظلَّ دمعِي ذارِفاً ... والحقّ أن أبكى دُموعاً من دَمِ
بل لو بكَيْتُ دماً لَقَلَّ لحادثٍ ... أضْحَى لديْه كلُّ ذي نظرٍ عَمِي
السيد إسماعيل، والسيد يحيى، ابنا إبراهيم الحجاف غصنا كمال، وكوكبا جمال، وكلٌّ منهما يمين للمجد وشمال.