كلَّ يوم يزيد عَذْلُ اللَّواحِي ... لك يا مَن به الفؤادُ عَمِيدُ
فأطِعْني بالوصلِ إنِّي مُحِبٌّ ... واعْصِه يا حُسَينُ فهْو يَزِيدُ
وقوله، وهو من نكته البديعة:
دُكَّ شِمْراً في سُوءِ عَذْلِ اللَّواحِي ... بالتجلِّي للصَّبِّ لا جئتَ أمْرَا
واخْشَه يا حسينُ إن رخَّموه ... واجتنِبْه فقد غَدا لك شِمْرَا
فإن شمر هو ترخيم شمراخ، وقد تقدم أن شمر هو الذي احتز رأس الحسين.
وقوله، وهو السحر السامري، والبرد السابري:
خلَّدْتني في نارِ هجرِك لي ... يا مالكاً لم ألْقَ رِضْوانَهْ
وسكَنْتَ قلي يا حسينُ فلِمْ ... يشكُو العذابَ وأنتَ رَيْحانَهْ
عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن " الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا ".
وعن مجاهد بن جبر صاحب ابن عباس، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم، بحائطٍ من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ".
ثم قال: " كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة ".
ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين، فوضع على كل منهما كسرة.
فقيل له: يا رسول الله: لم فعلت هذا؟ قال: " لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا " أو " أن ييبسا " أو " إلى أن ييبسا " انتهى.
وقد تأسى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم بريدة الصحابي فأمر بوضع الجريدة على قبره، وهو أولى أن يتأسى به.
وأنكره الخطابي، وغيره.
وقال: إنما هو ببركة يده صلى الله عليه وسلم، أو لأمرٍ مغيب، علل في قوله: " ليعذبان " إلخ.
ولا يلزم من كوننا لا نعلم تعذيبه، أنا لا نتسبب في أمرٍ يخفف عنه العذاب.
ولم يزل الناس على وضع الريحان ونحوه من الخضر على القبور.
وقد ورد هذا في الأشعار، كقول العتبي، يرثي ولده:
كان رَيْحانِي فأضْحَى ... وهْو رَيْحانُ القبورِ
غَرَستْه في بَساتي ... نِ البِلَى أيْدي الدهورِ
ففي قوله في البتين المتقدمين: وسكنت قلبي يا حسين فلم إلخ، العقد لقوله صلى الله عليه وسلم في الحسنين " هما ريحانتاي " الحديث، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لعله أن يخفف عنهما " الحديث، والإشارة إلى ما عليه عمل الناس إلى الآن، من وضع الريحان على القبور تسبباً في تخفيف العذاب.
ومعنى البيت التعجب من القلب كيف شكا العذاب، وفيه ريحانة، مع أنها توضع على قبر المعذب للتخفيف، تأسياً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يخفى على ذي العرفان والذوق السليم، صحة هذا المعنى الذي يترك الحاسد الصحيح الذهن كالسليم.
السيد علي بن صلاح الديلمي نسبةً إلى الإمام الناصر الديلمي، الذي دعا في الديلم، ثم خرج إلى أرض اليمن.
صاحب بيت في الرياسة صميم، وفضل على المكرمات عميم.
تميز من بين أكفائه بالكفاية، واحتف دون خلفائه بالحفاية.
فظهر فضله الأبين، وبهر أدبه الأزين.
وأشعاره لليراعة سوالٍ سوالب، وهي للصناعة جوالٍ جوالب.
فمنها قوله في الغزل:
صَبٌّ يُماطِل قلبَه الوَصْلاَ ... لم تسْلُ عن أهلِ الحمَى أصْلاَ
ما انْهَلَّ في حَيٍ مَدامعُه ... إلاَّ ولم يجدُوا به مَحْلاَ
وإذا شَدَا غنَّتْ مُطوَّقةٌ ... وتبادَرتْ لحَنِينِهِا الثَّكْلَى
كم ضَلَّ يجْأر بالنِّدا كَلِفاً ... يا أهلَ سَفْح المُنْحنَى مَهْلاَ
أللهَ في صبٍ أقامَ على ... نارِ الغرامِ وحَرَّها يَصْلَى
ذابتْ حُشاشتُه فأرْسَلها ... مَثَلاً بصفحة خدِّه تُتْلَى
وتباعَد الصبرُ الجميلُ كما ... بَعُدَ المَزارُ وقوَّض الرَّحْلاَ
وخَريدةٍ لانَتْ مَعاطفُها ... وقسَتْ فؤاداً وانْثَنتْ خَجْلَى
في جِيدِها هَيَفٌ وقامتُها ... رَيَّانةٌ للهِ ما أحْلَى
تبدُو كما يبدُو الصباحُ إذا انْ ... جابتْ غدائرُهَا لتُسْتَجْلَى