وترْجِيعُ صوتِ العَنْدَلِيب كأنه ... غدا رَاهباً فيه زعيماً بورْدِهِ
وإن شُقَّ نَحْرُ الفجرِ ناحتْ حَمائمٌ ... تُسبِّح للهِ القديم بحمْدِهِ
وإنِّي على وُدِّي مُقِيمٌ على الوفَا ... وما مِلْتُ بل باقٍ على حِفْظِ وُدِّهِ
كأنِّي وما أرجُو كُثَيِّرُ عَزَّةٍ ... إذا حرْتُ أو بِشْرُ العَمِيد بهنْدِهِ
ألا في سبيلِ اللهِ دهرٌ قضَيْتُه ... على ظَمَإٍ لم يَرْوِه ماءُ صَدِّهِ
أبِيتُ على جَمْرِ الغَضا مُتقلِّباً ... وفي طَيِّ أحْشائِي تَلُظُّ بوَقْدِهِ
محمد بن محمد العشبي شاعرٌ له قطع مستجادة، مسبوكةٌ في قالب الإجادة.
أثبت منها ما تقل مؤونته، وتكثر لأديبٍ معونته.
فمن ذلك قوله:
سألتُ ذات الحُسْن لَمَّا رَنَتْ ... بمُقْلةٍ ساحرةٍ فاتنهْ
عن الأحاديثِ وعن إسْمِها ... وهْي بوَكْرٍ للبَها صائنَهْ
قالتْ خَفِ الرحمنَ يا سيِّدِي ... الطيرُ في أوْكارِها آمِنَهْ
وقوله في مليحة اسمها كوكب:
بدت كوكبٌ مثلَ بدرِ الدجى ... لِصَبٍ هوَى قلبُه واسْتعاذَا
فأنْكَر شمسَ الضحى في الهوى ... فلمَّا رأى كوكباً قال هذَا
وقوله:
يا سائلِي عن وَصْفِ مَن ... مالتْ كغُصْنِ الْبانِ مَيْلاَ
بالبدرِ هندٌ تُوِّجَتْ ... وتَبرْقَعتْ بالشَّعْرِ لَيْلَى
وقوله:
وقفْنا بالغَضاءِ فكلُّ قلبٍ ... مُصَلٍ في جوانحهِ مُعَنَّى
وهِمْنا بالعَقِيق بكلِّ وَادٍ ... ونُحْنَا في حِمَى لَيْلَى ولُبْنَى
وقوله:
وأغْيَدٍ من تَعِزٍ بِتُّ أسألُه ... من أي حافاتِ سِرْبِ الخُرَّدِ الغِيدِ
أجاب مِن حافةِ الهَزَّازِ قامته ... لكنَّ أعْيُنَه من حافةِ السُّودِ
وقوله:
ويُوسُفِيِّ جمالٍ زار عارضَه ... مُوسى فأصبح منه العبدُ مَأنُوسَا
تفَرْعنَتْ في كَلِيم مُقْلةٌ سحَرتْ ... لعَقْرَبِ الصُّدْغِ حتى حَلَّه مُوسى
وقوله:
وقالوا اعْتمِدْ لك مُسْهِلاً ... إن كان داؤُك يعسُرُ
فأجبْتهم في خَدِّ مَن ... أهْوَى دوائي يظهَرُ
إهْلِيلَجٌ من خالِه ... ومن الثَّنايَا كَوْثَرُ
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الجابري الشحري أديب باهر، وأريب ماهر.
له نظمٌ كما رق السحر، وعبق أريج الشحر ونثرٌ كما رق السحر، وصافح النسيم الشجر.
وهو في النظم مقطع غير مقصد، فلله دره من مقتصر على الحسن مقتصد.
وقد أثبت له ما يروق في المسامع، وتعجز عن إدراك مثله المطامع.
فمنه قوله في التوجيه:
قد تعشَّقْتُ غَزالاً ... فيه لي قولٌ ومَذْهَبْ
طال مِنْهاجُ غرامِي ... في هوَى الظَّبْيِ المُهَذَّبْ
وهو كقول التقي السروجي:
تفقَّهتُ في عِشْقِي لمَن قد هَوَيْتُه ... ولي فيه بالتحرير قولٌ ومَذْهَبُ
وللعينِ تنْبيهٌ به طال شَرْحُه ... وللقلبِ منه صِدُقُ وُدٍ مُهذَّبُ
ومثله قول بعضهم:
الروضُ والبهجةُ يا سيِّدِي ... في الخدِّ مجموعٌ له حَاوِي
وقد غَوَى سالكُ مِنْهاجِه ... فامْنُنْ بِإرْشادك للْغاوِي
وله:
كتبْتُ على الخدودِ لفَرْطِ شَوْقي ... سُطوراً من دموعٍ مُستهِلَّهْ
فلا تعجبْ لخَطٍ فاقَ حُسْناً ... وحقِّك إنَّه خَطُّ ابنُ مُقْلَهْ
وله:
ما هَبَّ نَشْرُ صَباً لنَحْوِي منهمُ ... إلاَّ وأحْيَى المُسْتهامَ عَلِيلُهُ
فالقلبُ مصر وهْو منزلُ يوسفٍ ... والحسنُ رَوْضتُه ودَمعِي نِيلُهُ
وله:
شادِنٌ جار واقْتَدَرْ ... ورمَى القلبَ في الكَدَرْ
دَرَّ دمعِي فليْتَه ... جاد بالوصلِ وَقْتَ دَرّ
وله:
زارني البدرُ لَيْلَةً ... وحَبانِي بكلِّ مَا