للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال في آخره: فدونك ما حوى من أصداف التفاسير لآليها، وأنار من مشكلات الأقاويل لياليها.

ولن يسعد بحل رموزه، ويظفر بكشف كنوزه.

إلا من برز في علم البيان، وأشير إليه في معرفه صحيح الآثار بالبنان، وراض نفسه على وفاق مقاصد السنة والقرآن.

هذا، ومع لطافة جسمه فكم حوى من لطائف، ومع حداثة سنه فكم حدث بظرائف، ومع رشاقة قده كم رشق من مخالف.

وكم مشكلٍ أوضحه قد أغفله الأولون، وكأيٍ من آية يمرون عليها وهم عنها معرضون.

قلت: وقد حظي هذا التفسير في اليمن بالقبول، ومدحه كثيرٌ من علمائه بالمدائح السائرة مسرى الصبا والقبول.

فمن جملة من مدحه السيد صلاح الدين بن أحمد بن المهدي المؤيدي، حيث قال:

هذا الفُراتُ فَرِدْ مَشارِعَ مائِه ... تجِدِ الشرائعَ أُودِعتْ في بَحْرِهِ

كَشَّافُ كلِّ غَوامضٍ ببيَانِها ... أسرارُ مُنْزَلِ ربِّنا في سِرِّهِ

لا عيبَ فيه سوى وَجازةِ لَفْظِه ... مع أنه جَمع الكمالَ بأسْرِهِ

حبسَ المعاني الرَّائقاتِ برَقِّهِ ... والحقَّ أطْلَق والضلالُ بأسْرِهِ

وله نظم ونثر شهيران.

فمن نظمه قوله:

مَن شافعِي نحوكم يُحنِّفكُمْ ... إليَّ يا مالكِي فأحْمَدُهُ

زَيَّدتني حين صِرْتَ مُعْتزِلِي ... وَجْداً كَحَرِّ الجحيمِ أبْرَدُهُ

يا رافضِي أنت ناصبِي لهوىً ... ما كنتُ قبل الفِراقِ أعْهَدُهْ

وقوله:

تظنُّونِيَ مُرْتاحَا ... ومَن أيْن ليَ الرَّاحَهْ

إذِ الراحةُ في الكيسِ ... وليس الكيسُ في الرَّاحَهْ

وله:

تزوَّجْ هُدِيتَ تِهاميَّةً ... ترُوقك في المِئْزرِ المِطْرَفِ

ودَعْ عنك بيضاءَ نَجْديَّةً ... ولو برَزتْ في بَها يُوسُفِ

عليها قميصٌ وسِرْوالةٌ ... وليستْ تَرِقُّ لمُسْتعطِفِ

فأجابه السيد صلاح المؤيدي بقوله:

أردتَ بها الذمَّ فَالْبَسْتَها ... سَرابِيلَ مَدحٍ لا تختفِي

نعم هكذا شِيمةُ المُحْصَناتِ ... إذا شئْتَ تمدحُ مَدْحاً وَفِي

قَساً في القلوبِ ولِينُ القُدودِ ... وخَدٌّ نَقِيٌّ وصوتٌ خَفِي

وإن رام منها الْوَفا طارقٌ ... فليستْ ترِقُّ لِمُستعطِفِ

حسن بن علي المرزوقي أديبٌ تعاطى الشعر جل بضاعته، وتوشية حلل الطروس معظم صناعته.

مع رقة طبعٍ تحسدها القدود الرشاق، وعلاقة صبابة تتفانى عليها نفوس العشاق.

وقد أوردت له قطعةً كلها غرر، ينقدح فيها من وجده الذي سكن لبه شرر.

وهي قوله:

تألَّق من نحو الكَثِيبِ ووَهْدِهِ ... برِيقٌ تَلاَلاَ في حَمائلِ بُرْدِهِ

تَراءَى لِعَيْنٍ قد تقرَّحَ جَفْنُها ... وعُوِّض عن طِيب المَنام بسُهْدِهِ

فهيَّج وَجْداً مُضْمَراً في سَرائرِي ... وأبْدَى مَصُوناً ما استطعتُ لِرَدِّهِ

فبِت كئيباً وَالِهَ القلبِ شَيِّقاً ... بِيَمِّ غرامٍ بين جَزْرٍ ومَدِّهِ

وما افْترَّ إلاَّ جاد بالدَّمْعِ ناظرِي ... وأذْكَر ماءً بالعُذَيْب ووِرْدِهِ

ومَسْرَحَ غِزْلانٍ يرُحْنَ عَشِيَّةً ... بذاتِ اللِّوَى والأبْرَقَيْنِ وثَمْدِهِ

ومَيَّادَ غُصْنٍ مُذ تثنَّى بعِطْفِه ... لَوَى عَقْرَبَيْ صُدْغَيْه خَفَّاقُ بَنْدِهِ

كثيرُ التجنِّي والتَّجاوُزِ ظالمٌ ... جنَى سيفُ لَحْظٍ منه وهْو بغِمْدِهِ

له حَدَقٌ صَحَّتْ بسُقْمِ جُفونِها ... ومِن عَجَبٍ تقْويمُ شيءٍ بضِدِّهِ

وإنِّي إذا ما جَنَّ لَيلِي تخالُنِي ... أحِنُّ حَنينَ الثَّاكلاتِ لفَقْدِهِ

ويُطربني صَدْحُ الحَمامِ بأيْكةٍ ... إذا صاح قُمْرِيُّ البَشامِ بِرَدِّهِ

ورَنَّةُ شُحْرُورٍ يُرَدِّدُ شَدْوَهُ ... بِغُنَّةِ إدْغامٍ ولينٍ بِمدِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>