آكُلْ بالمِيزانِ أكْلَ الحِكْمَهْ ... فلستُ أخْشَى دائماً من تُخْمَهْ
كفَاك منِّي خَبَرِي وخُبْرِي ... وحُسْنُ مَدْحِي من أديبِ العَصْرِ
قد قال فيّ والبليغُ حُجّهْ ... وقولُه مُتَّضِح المَحَجّهْ
ضئيلةٌ تَرْقِيشُها حسنُ الفرندْ ... جَوْهرُها في الرُّوم مَشْبوكُ الزّرَدْ
أفْعاءُ في أجْوافِها النِّيرانُ ... يحْذَر منها الصِّلُّ والثُّعْبانُ
وسَمُّها تَحْمِلُه جَنِينَا ... تُرْضِعُه من الرَّدَى علينَا
بيْنَا تُرَى تحملُ منه طِفْلاَ ... حتى يصيرَ للحِمامِ كَهْلاَ
ما تدْرِ ما تلْفَحُه وتضَعُهْ ... ومن أَفاوِيق الذُّعافِ تُرْضِعُهْ
إلاَّ بِمقْدارِ اكْتحالِ النّاظرِ ... حتى يصير وهْو حَتْفُ الفَاجِرِ
وَاهاً لها تلك مَخاضُ حُبْلَى ... أسْرَعُ ما تدْرأُ منه الحَمْلاَ
فابْتَدرَ القوسُ بسهمٍ ووثَبْ ... وازْوَرَّ كالحاجبِ من فَرْطِ الغَضَبْ
وصار يُبْدِي صَوْلة المِقْدامِ ... يسْحبُ أذْيالاً من السِّهامِ
وقال ما أقْرَعُ في خِطَامِهْ ... والمرءُ قد يُقْذِعُ في إعْظامِهْ
ما لِي وللْبُنْدُقِ يا أُخَيَّهْ ... أصْبَح يُعْلِي صَوْتَه عَلَيّهْ
جوابُه أن لا يُجَابَ أبَدا ... فما يُجِيبُ صوتَه إلا الصّدَى
لكنني مُنْتصِرٌ خَشْيَة أن ... يقول إنِّي قد رُميتُ باللَّكَنْ
وكان أوْلَى عِنْدِيَ السُّكوتُ ... فإنما نَفِيثُه بارُوتُ
مُسْتكْثَرٌ دُوَيْبقٌ في ثَمنِه ... أما تراه أبْخَرَ من نَتَنِهْ
وقال لم تَعْلَقْه من تُخْمَهْ ... وإنما غذاؤُه بالحِكْمَهْ
وكم له من بِطْنةٍ مبْغوضَهْ ... تَظَلُّ أحْشاهُ بها مَغْضوضَهْ
كم آد مَن يحملُه من تَعَبْ ... وأخَّر الرَّامِيَ عن نَيْلِ الأرَبْ
لثُقْلِه فجِرْمُه ثقيلُ ... إن الثقيلَ قُرْبُه مَمْلولُ
ما أكثرَ التَّلْوينَ في دِيانتِهْ ... وأضْيَعَ الأسرارَ في خِزانتِهْ
فَتِيلُه نارُ الفَرِيقِ في العَلَمْ ... فسْرُّ مَن يغْزُو به لا يُكْتَتَمْ
كم دَرَّ بالصوتِ على رَاميهِ ... ونَمَّ في الليل على سَارِيهِ
وأيْنَه منِّي وحِفْظُ سِرِّي ... ما زال مَحْنُواً عليه ظَهْرِي
أُصِيب مَن أرْمِيه اغْتيالاَ ... حتى أكاد أرْشُق الخَيالاَ
أصُونُ سِرِّي فهْو لا يبينُ ... مُقْتدِراً بقَوْلِه اسْتعينُوا
إن يتبجَّحْ في عُلُوِّ الشَّانِ ... بمَدْحِه من شاعرِ الزَّمانِ
فحُجَّتِي أرْجُوزةُ النَّباتِ ... ودُرَّةٌ من بَحْرِه الفُراتِ
أعْنِي بذا فرائدَ السُّلوكِ ... في ذِكْرِه مَصائد المُلوكِ
للهِ ما أعْذَبها مِنْ مُلَحْ ... قد قال إذْ طَرَّزَها مَن مَدَحْ
يا حبذا مُجِيبةُ الوِصالِ ... قاطعةُ الأعمارِ كالهلالِ
زَهْراءُ خضراءُ الإهابِ مُعْجِبَهْ ... ممَّا ثَوَتْ بين الرِّياضِ المُعْشِبَهْ
كأنها حولَ المِياهِ نُونُ ... أو حاجِبٌ بما يشا مَقْروُنُ
لها بَنانٌ بالمَنَى مَعْذُوقَهْ ... من نَبْعةٍ واحدةٍ مَخْلوقَهْ
فاضْطرَب البُنْدُقُ واسْتثارَا ... وأظْهرتْ ذخيرةٌ شَرارَا
وقال عندي خَبَرُ البُخارِي ... ولي حديثُ الرَّمْيِ بالجِمارِ
يا قَوْسُ لا تدخُلْ في أحْكامِي ... فأنت عندي من ذَوِي السِّهامِ