عَدِمْناه دَهْراً فيه قد عُدِمَ الوفَا ... فما ينْقضِي فيه لِذِي الحُبِّ مأْرَبُ
يُكدِّرُ وِرْدَ العَيْشِ بعد صَفائِه ... وإنْ مَا كَسَا ثَوْباً من العِزِّ يسلُبُ
ألم تَرَنِي بُدِّلْتُ بالأُنْسِ وَحْشةً ... فما راق لي من مَشْرَبِ الحُبِّ مَشْرَبُ
تُنادِمني بعد النّدامَى نَدامَةً ... وأبْكِي على رَبْعِ الأحِبَّا وأنْدُبُ
أهِيمُ هَوىً ما بين شَرْق ومغربٍ ... وجَفْنِيَ شَرْقٌ للدموعِ ومَغْرِبُ
كواكبُ دَمْعٍ كلَّما انْقَضَّ كوكبٌ ... من الأُفْقِ بَارَاه من الدمعِ كَوْكَبُ
يذكِّرني بدرُ الدجى مَن أوَدُّه ... وقد حفّه من فاحِم الشَّعْرِ غَيْهَبُ
وأذكرُ بالبَرْقِ الّلموعِ ابتْسامَهُ ... فتحْكِي دموعِي سُحْبَه حين تسكُبُ
فَمَرْجانُ دمعِي وهْو إذ ذاك أحْمَرٌ ... إذا سال في مُصْفَرِّ خدّك كَهْرَبُ
وفيه مُراعاةُ النَّظيرِ لجَوْهرٍ ... فُتِنْتُ به من ثَغْرِه وهْو أشْنَبُ
وما الْبانُ إلاّ ما حَواه قَوامُه ... له عَذَبٌ منها فُؤادِي مُعَذّبُ
فما بسِوَى ذاك الغزالِ تغزُّلِي ... ولا بِسوى عهدِ الشّباب أُشَبِّبُ
وإن تُطْرِبِ الألْحانُ غيري فإنني ... إلى لَفْظِه أصْبُو غَراماً وأْرَبُ
لألْحاظِه في القلبِ صَوْلَةُ ضَيْغَمٍ ... فقُل فيه لَيْثٌ فاتِكٌ وهْو رَبْرَبُ
بَهِيُّ المُحَيَّا قد حَلاَ لي جَمالُه ... ومَدْحُ جمالِ الدِّين أحْلَى وأعْذَبُ
له الكلماتُ الرَّائقاتُ كأنها ... ثَنايا حَبِيبٍ أو جُمانٌ مُثقَّبُ
إذا شاءَها كانت سُلافاً مُروَّقاً ... وما كأسُها إلا البديعُ المُرتَّبُ
تقول إذا هَزَّتْ يَراعاً بَنَانُه ... أذلك رُمْحٌ أم حُسامٌ مُشَطَّبُ
فكم رَاعَ جَيْشاً في الطُّروسِ يَراعُهُ ... وكم رَدَّ مِن خَطْبٍ إذا هو يخْطُبُ
جمالَ الهدى مُذْ غِبْتَ عنِّيَ لم أزَلْ ... أُغالِبُ فيك الشوقَ والشوقُ أغْلَبُ
ووُدُّك منِّي بالسَّوادَيْن نازِلٌ ... من القلبِ والعَيْنَيْن ثَاوٍ مُطنِّبُ
وإن أوْجَب الحالُ التَّنائِيَ عنكمُ ... فإنِّي إليكم سوف أدْنُو وأقْرُبُ
وما خَشْيتي ممَّا عرفْتَ وإنّما ... بِعادُ الفتى عن مَرْبَعِ الضّيْمِ أصْوَبُ
وفي السَّودةِ الغَنَّاءِ قد طاب مَسْكَنِي ... وكلُّ مَحلٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيِّبُ
أقمتُ بها في خَفْضِ عيشٍ ورِفْعةٍ ... لأخْفِضَ بالإنْشاءِ قَوْماً وأنْصِبُ
سأبعثُ في أثْناءِ كُتْبِي كتائباً ... بأمْثالِها الأمْثالُ في الناسِ تُضْرَبُ
سَلاهِبُ يتْرُكْنَ القوافِي قَوافِياً ... إذا كَرَّمنها مِقْنَبٌ جاشَ مِقْنَبُ
وهاكَ لِسانُ الحالِ عَنِّيَ ناطِقٌ ... وعنْك بما قال الأديبُ المُجرِّبُ
لَحَى اللهُ ذِي الدنيا مَناخاً لراكبٍ ... فكلُّ بعيدِ الهَمِّ فيها مُعذّبُ
ألا ليتَ شِعْرِي هل أقولُ قصيدةً ... ولا أشْتكِي فيها ولا أتَعتَّبُ
وبي ما يذودُ الشِّعْرَ عنِّي أقلُّه ... ولكنَّ قلبي يا ابْنَةَ القومِ قُلّبُ
وخُذْها جواباً عن تَصَدِّي فكرةٍ ... فما مثلُها إلا الصِّباء المُجرَّبُ
وأنشدني أيضاً، من قصيدة، أولها:
في عَبْرتي لكَ من وَجْدِي عِباراتُ ... وفي الكِناياتِ عن وَصْفِي إشاراتُ
بديعُ حُسْنِك يا مَن لا نَظِيرَ له ... ما فيه لِلْوالِه المُضْنَى مُراعاةُ