للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: كحل الفجر. البيت، ما زلنا في تردد وشبهة في معنى هذا البيت؛ فإنه أسند التكحيل إلى الفجر، وهو لا يلائمه؛ لابيضاضه ونوره، وإنما يلائم التكحيل ما كان أسودَ مظلما، وبعض الأفاضل حمله على أنه في ليلة مقمرة، يغيب القمر فيها لدن طلوع الفجر، فتحدث حينئذ ظلمةٌ يستحق بها الفجر أن يستند التكحيل إليه.

وهو معنى متكلف كما تراه، حتى وقفنا على قول ابن الظهير الإربلي:

وكأنَّ الصباحَ مِيلُ لُجَيْنٍ ... كاحلٌ للظلامِ طَرْفاً كَحِيلاَ

فكان قولاً شارحاً لبيت التجيبي، وصار التكحيل لا غبار عليه بوجه من الوجوه.

وبيت ابن الظهير من قصيدة يصف فيها الفلاة:

جئْتُها والظلامُ راهبُ دَيْرٍ ... جاعلٌ كلَّ كوكبٍ قنْدِيلاَ

أو عظيمٌ للزَّنجِ يقدمُ جَيْشاً ... قد أعَدُّوا أسِنَّةً ونُصولاَ

وكأنَّ السماءَ رَوْضٌ أنِيقٌ ... نَوْرُه بات بالنَّدى مَطْلُولاَ

ليلةٌ كالغُدافِ لو لم يَرْعُها ... نارُ فجرٍ ما أوْشكتْ أن تَزُولاَ

وتولَّتْ وأشْهَبُ الصبحِ يتْلُو ... أدْهمَ الليلِ وانِياً مَشْكُولاَ

ومن تتمة القصيدة:

فيا ملكَ المُلوكِ ولا أُحاشي ... ولا عُذْراً أسوقُ ولا احْتشامَا

أنِفْتُ بأنني ألْقاك منهم ... بمنزلةِ الرِّجال من الأيامَى

إلى جَدْواكَ كَلَّفْنا المَطايا ... دَواماً لا نُفارِقُها دَوامَا

وجُبْنا أيها الملِكُ المَوامِي ... إلى أن صِرْنَ من هزلٍ هُيامَا

وذُقْنا الشُّهْدَ في معنى التَّرَجِّي ... وذُقْنا الصبرَ من جُوعٍ طَعامَا

صَلِينَا من سَموُمِ القَيْظِ نَاراً ... تكون بنُورِك السَّامِي سَلامَا

وخُضْنا البحرَ من ثَلْجٍ إلى أن ... حسِبْناه على البِيدِ اللُّكَامَا

وجاوَزْنا العَنان على عِنانٍ ... تسِيرُ بنا ولم تلبثْ شَآمَا

نَؤُمُّ رَحابَك الفِيحَ اشْتياقاً ... ونأمُل منك آمالاً جِسامَا

ومَن قصَد الكريمَ غدا كريماً ... على ما في يديْه ولن يُضامَا

وحاشَا بحرُك الفَيَّاض أنَّا ... نُرَدَّ بُغلةٍّ عنه حِيامَا

وقد وَافاك عبدٌ مُستَمِيحٌ ... نَدَى كَفّيْك والشِّيَمَ الضِّخامَا

وحُسْنُ الظنِّ يقطعُ لي بأنِّي ... أنالُ وإن سَما منك المَرامَا

فقد نزَل ابنُ ذِي يَزَنٍ طَريداً ... على كِسْرَى فأنْزله شَمامَا

أتَى فَرْداً فآلَ يجُرُّ جيشاً ... كسا الآكام خيلاً والرَّغامَا

به اسْتبْقَى جميلَ الذكِّرَ دَهْراً ... وأنت أجَلُّ من كِسْرَى مَقامَا

وسَيْفٌ لو سَما دوني فإنِّي ... عِصامِيٌّ وأسْمُوه عِظامَا

بفاطمةٍ مع ابْنَيْها وطه ... وحَيْدَرةَ الذي أشْفَى العِقُامَا

عليهم رحمةٌ تُهْدِي سلاماً ... يكون لنَشْرِها مِسْكاً خِتامَا

ومن تفاريق شعره، قوله من قصيدة، مستهلها:

كيف العَزَا والفُؤادُ يلْتهبُ ... والحَيُّ زُمَّتْ لِبَيْنهِ النُّجُبُ

والعينُ عَبْرَى والجسمُ مُمْتَقِعٌ ... والنفْسُ حَرَّى والعقلُ مُضْطربُ

وهذه أرْبُعٌ بكاظِمَةٍ ... عَفَتْ قديماً فنَدْبُها يجبُ

منها:

وابْكِ زماناً مضَى بها أنُفاً ... عنِّي فقد أذْهَلتْنِيَ النُّوَبَ

منها:

وبالنَّقا غادةٌ إذا خطَرتْ ... تغارُ منها الأغصانُ والكُثُبُ

كأنها في الأَثِيثِ إن سَفَرتْ ... بدرٌ بسَجْفِ الظلامِ مُحْتجِبُ

وكان ابن عمه الشريف محسن بن حسين يطرب لأبيات الحسين بن مطير، ويعجب بها، وهي:

ولي كبدٌ مَقْروحةٌ مَن يَبيعُني ... بها كَبِداً ليستْ بذاتِ قُروحِ

أبى النَّاسُ وَيْبَ الناسِ لا يشْترونها ... ومَن يشْتري ذا عِلّةٍ بصحيحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>