وكيف وهْو قَوِيُّ القلبِ لا سِيَمَا ... وجُنْدُه خُرَّدٌ غِيدٌ وغِزْلانُ
طاب الزمانُ به والعَيْشُ وابْتجَتْ ... أوقاتُنا وكذا الأيامُ تَزْدانُ
هُم الأحبَّةُ إن جارُوا وإن عَدَلُوا ... وهُم حُلولُ فؤادِي أينما كانُوا
وله في مغنٍ:
برُوحِيَ مَن غَنَّى ورَوضةُ خَدِّه ... مُخضَّبةٌ مُخضَلَّةٌ من دمِي غَنَّا
وأهْدَى لنا وَرْداً وبَاناً ونَرْجِساً ... ولم يُهْدِ إلاّ القَدَّ والخَدَّ والجَفْنَا
وله في روض:
انْظُر إلى الروضِ كَساه الحَيَا ... مَطارِفاً ضاع شَذاها الأرِيجْ
واهْتزَّتِ الأرضُ إلى أن رَبَتْ ... وأنْبتتْ من كلِّ زَوجٍ بَهِيجْ
السيد عمار بن بركات بن جعفر بن بركات هو لأبنية المكارم عمار، ولمجتديه بمواهبه الدارة غمار.
أصلٌ كعمود الصبح في الإنارة، وطبعٌ كالأغر المحجل في الإثارة.
أحد فرسان الكلوم والكلام، وأحد حملة السيوف والأقلام.
سمعت له أشعاراً هي غايةٌ في الحسن، يجلو رونق ديباجها القلب من الحزن.
فعرفت أنه أحق حقيقٍ بأن يذكر، وأخلق في كل خليقٍ بأن تتلى آياته وتشكر.
وكان دخل البلاد الهندية، وتفيأ ظلال أندية ملوكها الندية الندية.
فما لبث أن تعلقت فيه خطاطيف الظنون، وطارت به عنقاء المنون.
وقد أثبت له ما تستهل البراعة من براعة استهلاله، ويؤذن بالسحر الذي لا حرج في القول باستحلاله.
فمنه قوله، مذيلاً بيت أبي زمعة جد أمية بن أبي الصلت ومادحاً النظام ابن معصوم:
اشربْ هنيئاً عليك التَّاجُ مُرْتفِقاً ... في رأسِ غُمْدانَ داراً منك مِحلالاَ
تسْعَى إليك بها هَيْفاءُ غانيةٌ ... مَيَّاسةُ القَدِّ كَحْلاَ الطّرْفِ مِكْسالاَ
إذا تثنَّتْ كغُصْنِ الْبانِ من تَرَفٍ ... وإن تجلّتْ كبدرٍ زان تِمْثالاَ
كأنها وأدام اللهُ بَهْجَتها ... شمسٌ على فَلَكٍ إشْراقُها طالاَ
وكيف لا وهْي أمْسَتْ ساحِبَةً ... بِخِدْمةِ السيِّد المِفْضالِ أذْيالاَ
ذاك الذي جَلَّ عن تَنْوِيهِ تَسْمِيةٍ ... شمسٌ عَلَتْ هل تَرى للشمسِ أمْثالاَ
الباسمُ الثّغرَ والأبْطالُ عابِسَةٌ ... والباذلُ المالَ لم يُتْبِعْه أنْكالاَ
عَارٍ من العْارِ كَاسٍ من مَحامِدِه ... لا يعرفُ الخُلْفَ في الأقوالِ إن قالاَ
إن قال أفْحَم نَدْبَ القومِ مِقْوَلُهُ ... أوصال أخْجَل لَيْثَ الغابِ إن صَالاَ
عَلاَ به النّسَبُ الوَضّاحُ مَنْزِلةً ... عن أن يُماثَل إعْظاماً وإجْلالاَ
خُذْها رَبِيبةَ فِكْرٍ طالَما حُجِبتْ ... لولا عُلاك ووُدٌّ قَطُّ ما حالاَ
واسْمَحْ بفضلِك عن تقْصيرِ مُنْشِئِها ... وحُسْنُ بِشْرِك لم يبرَحْ بها فَالاَ
قلت: وقد عارض البيت المضمن بعض الشعراء، مخاطباً عبد الله بن طاهر، حيث قال:
اشْرَبْ هَنِيئاً عليك التَّاجُ مُرْتَفِقاً ... بالشَّاذِياخِ ودَعْ غُمْدانَ لليَمنِ
فأنتَ أوْلَى بتاجِ المُلْكِ تلْبَسهُ ... من هَوْذَة بن عَلِيٍ وابنِ ذِي يَزَنِ
وقصر غمدان باليمن، بناه ليشرح بأربعة وجوه؛ أحمر، أخضر، وأبيض، وأصفر، وبنى داخله قصراً بسبعة سقوف، بين كل سقفين أربعين ذراعاً، وهو أحد الأبنية الوثيقة للعرب، يتمثل بها في الحصانة والوثاقة.
وقال بعض شراح المقصورة الدريدية، عند شرح قوله:
وسَيْفٌ اسْتعلَتْ به هِمَّتُهُ ... حتى رمَى أبعَدَ شَأْوِ المُرْتَمَى
فجرَّع الأُحْبُوشَ سَمَّاً ناقِعاً ... واحْتَلَّ مِن غُمْدان مِحْرابَ الدُّمَى
ما صورته: غمدان بناءٌ بصنعاء، لم يدرك مثله، هدمه عثمان بن عفان في الإسلام وله رسومٌ باقيةٌ إلى اليوم، والمحراب: الغرفة بلغتهم.
وغمدان: قصر بناه النعمان بن المنذر.