للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمُتْرَفِ الخدِّ جَنَّاتٌ لناظرِها ... لكنّها أجَّجَتْ في القلبِ نِيرانَا

لولا سحائبُ جَفْنٍ سَحَّ وَابِلهُ ... أجْرَى بِحاراً فأطْفاها وغُدْرانَا

تُرِيك من وجهِها الضّاحِي وقامتِها ... بدراً على غُصُنٍ يخْتال نَشْوانَا

جارتْ على قلبِيَ المجروحِ مُقْلتُها ... وأتْلفتْه وما أضْمَرْتُ سُلْوانَا

لا تُسْتمال وإن مالتْ مَعاطِفُها ... تحمَّلَتْ من رياضِ الحُسْنِ أفْنَانَا

ترْنُو بفاترِ طَرْفٍ زاد صَارِمُه ... فينا عن الحَدِّ مَسْنوناً فأفْنانَا

كأنما سيفُ بَدْرِ الدين أوْدَعَه ... من طَرْفِها الفاترِ الفَتَّانِ أجْفانَا

ويحسَبُ الناسُ من أهلِ البَدِيعِ ومِن ... أهلِ السليميَّةِ الغَبْرَا ومعكانَا

أو آلِ خالد من أهدى ضلالُهُمُ ... نُفوسَهم فغدوْا هَدْياً وقُرْبانَا

وغرَّهم فيهمُ حتى غَدَتْ فِئَةٌ ... فَيْئاً وأخْرَى قضتْ لم تَرْجُ غُفْرانَا

هذا مُكبَّلُ مَأْسُورٌ وذا ورَدتْ ... به القنَا مِن حِياضِ الموت طُوفَانَا

وجرَّعتْهم كؤوسَ الحَيْنِ مُتْرَعةً ... وقائعٌ تتْرُك الوِلْدانَ شِيبانَا

لو أنهم عَقَلُوا أمْراً لَما شَهَرُوا ... عَضْباً ولا اعْتقلُوا للحَرْبِ مُرَّانَا

ولو يُرِيدون خَيْراً أو يُرادُ بهمْ ... كانوا على ما مضَى من قبلُ غِلْمانَا

لكنْ قضَى اللهُ باسْتِئْصالِهم فبَغَوْا ... على نفوسِهمُ ظُلْماً وعُدْوانَا

وشاهَدُوا جَحْفَلاً ذابتْ نفوسُهمُ ... مِن خَوْفِه مَلأَ الآفاقَ فرسانَا

تَسُلُّ أسْيافَه أحلامُ نائِمهمْ ... عليه رُعْباً ويَلْقَى الموتَ يَقْظانَا

هذا من قول أشجع السلمي:

وعلى عَدُوِّك يا ابنَ عَمِّ محمدٍ ... رَصَدانِ ضَوْءُ الصبحِ والإظْلامُ

فإذا تنبَّه رُعْتَه وإذا غَفَا ... سَلَّتْ عليه سيوفَك الأحْلامُ

منها:

له من الرُّعْبِ أنْصارٌ مُؤيِّدةٌ ... تُصَيِّرُ الليثَ مثلَ الضَّبِّ حَيْرانَا

في الأمثال أحير من ضبٍ؛ لأنه إذا فارق جحره لم يهتد للرجوع.

يحُفُّه من بَنِيه أُسْدُ معركةٍ ... تَرْوِي الْقَنا إن غَدا الضِّرْغَامُ ظَمْآنَا

بيتُ النُّبُوةِ بيتُ اللهِ مَن ورَثُوا ... أمْرَ الخلافةِ سُلْطاناً فسُلْطانَا

يَفْنَى المَديحُ ولا تُحْصَى مَحامدُهمْ ... فَدَعْ زُهَيْراً ودَعْ كَعْباً وحَسَّانَا

محمد جمال الدين بن عبد الله الطبري مقدم في المقال وإن تأخر، وإذا كان غيره بحراً يفيض فهو بحرٌ يزخر.

يتقدم حيث يتأخر الذابل، ويجود إذا ما ضن بجوده الوابل.

فروض طبعه تسرح النواظر في فضاه، ومرعى بيانه أينع سعدانه ورف غضاه.

وله ذكاء متطاير اللهب، وقريض يزري بقراضة الذهب.

وقد أثبت له ما يعلق من كعبة البلاغة، ويعرف منه أنه لم يبلغ أحدٌ بلاغه.

فمنه قوله، من قصيدة في المدح:

مُذ لاح بدرُ الدُّجَى وأشْرَقْ ... أغْرقني مَدْمَعِي وأشْرَقْ

ورُحْتُ من لَوْعتِي أُصالِي ... جَوىً لقلبِي الكئيبِ أحْرَقْ

لا لَوْعَتِي تنْطفِي وحِبِّي ... فَرَّق شمْلِي وما ترفَّقْ

ومنها:

لمَّا رأيتَ الهوى هَواناً ... وأنني في يديْك مُوثَقْ

وأن جَوْرَ الغرامِ عَدْلٌ ... وحاكمَ الحبِّ ليس يُشْفِقْ

جاوَزْتَ في الحدودِ ظُلْماً ... ألستَ عَدْلَ الحسينِ تَفْرَقْ

بدرُ الملوك الحُسَين مَن في ... نَدَى يديْه البِحارُ تَغْرَقْ

ومَن له صَوْلةٌ وعَزْمٌ ... منها أُسودُ الحروبِ تُشْفِقْ

ومنها:

لو لَمَستْ رَاحتاهُ عُوداً ... أثْمَرَ في كفِّه وأوْرقْ

<<  <  ج: ص:  >  >>