إنّ الإهِلّةَ إذ بدَتْ غَرْبيَّةً ... فالغَرْبُ منه ضِيَا المَسَرَّة يُشْرِقُ
والشرقُ دَعْهُ فليس منه سِوَى ذُكَا ... تَحْتَرُّ في وَسَطِ النهارِ وتَحْرِقُ
وقوله أيضاً، مشجراً:
غزال كبدرِ التِّمِّ لاح بوجْهِه ... هلالٌ رأتْه العينُ من أُفُقِ الشمسِ
رنَا طَرْفُه الفَتَّانُ يوماً لناظرٍ ... يهيمُ به من حيث يُصْبِحُ أو يُمْسي
بَدَا لِيَ في خُضْرِ الرياضِ بأسمرٍ ... به سُودُ هاتيك الحدائقِ في لَبْسِ
يُعلِّل بالتَّسْويفِ قلبي فليْته ... رأَى دَنِفاً ما زال يقْنَعُ باللَّمْسِ
هَلكتُ جَوىً منه فَمن لِمُتَيَّمٍ ... غريبٍ عن الأوطانِ يدْنُو من الرَّمْسِ
وكتب لبعض أحبابه في صدر رسالة:
على الحَضْرةِ العَلْياءِ دام مَقامُها ... عَلِيّاً سلامٌ طيِّبُ النّشْرِ والعَرْفِ
إلى نَحْوِها حَمَّلْتُه نَسْمةَ الصَّبا ... لتكْسِب وصْفاً من شَذَا ذلك الوَصْفِ
محمد علي بن إسماعيل الطبري أحد تلك الجلة الكرام، أئمة الحرم الذين وجب لهم الاحترام.
سما قدره فوق أعالي الجبال الشواهق، وبلغ غاية الكهول وهو في سن المراهق.
منزلةٌ لا يكتنه كنهها، ولا يوجد في العالم شبهها.
إلى فضلٍ ثنى إليه عنان الخطاب، وأدبٍ جنى به الثناء المستطاب.
ووراء ذلك رويةٌ أحسن من كل روية، وبديهة أورى من كل فكرةٍ ورية.
بلفظٍ ناهَبَ الحَلْىَ الغَوانِي ... وأهْدَى السِّحْرَ للحَدَقِ الصِّحاحِ
وقد جئتك من شعره بما يعطر شام النور العبق، ويروق به كأسه المصطبح على ماء النهر والمغتبق.
فمنه قوله من قصيدة، يمدح بها الشريف حسن بن أبي نمى.
مطلعها:
أسَرتْني بطَرْفِها الفَتَّانِ ... وبحُسْنٍ يفوقُ حُورَ الجِنانِ
ذاتُ قُرْطٍ من طَوْقِها مطلع الشَّمْ ... سِ فِدَا حُسْنِها البديع جَنانِي
ما تبدَّتْ تخْتال إلاّ أرَتْنا ... بدرَ تِمٍ يُقِلُّه غُصْنُ بَانِ
ما حكاها في جَنَّةِ الخُلْدِ حُورٌ ... لا ولا في مَراتِعِ الغِزْلانِ
قلّدتْها يدُ الجمال حُلِيّاً ... فاق حُسْناً قلائدَ العِقْيانِ
بخُدودٍ مُورّداتٍ حِسانٍ ... ما حكتْها شَقائقُ النُّعْمانِ
تَيَّمَتْنِي فَرَقَّ جسمِي نحُولاً ... مِن جَفاها فعَائدِي لا يَرانِي
وأذابتْ قلبِي المُعنَّى وجارتْ ... وصَلَتْنِي لَواعِجَ الأشْجانِ
ليْتَها بَعْدَ بُعْدِها وصَلتْنِي ... وكَفاها ما مَرَّ من هِجْرانِ
أرَّقتْ مُقْلتِي فأذْرَيْتُ دَمْعاً ... كالغَوادِي دماً عَبِيطاً قَانِي
لا تَسَلْ ما جَرى على الخَدِّ منها ... يا حبيبي فقد جرَى ما كَفانِي
فجُفونِي على الدَّوامِ دَوَامٍ ... ودموعِي مَشارِعُ الغُدْرانِ
قيل مَهْلاً فمَن صَبَا صَيَّرتْه ... مُوجِباتُ الصِّبا أسيرَ الغَوانِي
حَبَّذا إن قَضيْتُ في الحُبِّ وَجْداً ... وقضى حاكمُ الهوى بهَوانِي
ظَبْيةٌ تقْنِصُ الهِزَبْرَ فيُمْسِي ... وهْو لَيْثُ الشَرَى الأسِيرَ الْعانِي
تتَّقِي الأُسْدُ في العَرِينِ سَطاهُ ... وهْو يخْشَى من فَتْرةِ الأجْفانِ
كلمتْنِي بفَاتِراتٍ مِرَاضٍ ... سِحْرُ هارُوتِها قضَى بافْتتانِي
جاوَز الحَدَّ لَحْظُها فمَلاذِي ... حَسَنٌ ذُو الفخار والسُّلْطانِ
وقوله من أخرى في مدحه أيضاً، ومستهلها:
أفْدِي مَهاةً تُلِينُ القوَل أحْيانَا ... فتسلُب العقلَ ممَّن كان أحْيانَا
أماتَنا هَجْرُها المُولِي القلوبَ أسىً ... يُذيِب لولا رجاءُ الوصلِ أحْيانَا
لا عاش مَن يتمَنَّى بعد نَشْوتِه ... مِن خمرةِ الحبِّ أن يصحُو ولا كانَا