للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه خيرُ ثَناءٍ ... لأحمدَ الطُّهْرِ يُنْشَرْ

الحكمُ في ذَيْنِ حِلٌّ ... والتَّرْكُ للضُّرِّ أظْهَرْ

عبدُ الرؤوف وَشاهُ ... يرجُو المَزلاّت تُغْفَرْ

فضل بن عبد الله الطبري ذاته كاسمه، والفضل كله برسمه أجل قدراً من أن لا يعرف، وحاشاه أن يكون نكرةً فيعرف.

وقد سمعت من يقول عنه: هو العلم الذي عرف العالم فضله، والفاضل الذي إذا اعتبر فغيره بالنسبة إليه فضلة.

وله من الأشعار كل درةٍ فريدة، هي روي في طلا كل وليدة خريدة.

فمنها قوله، من قصيدة يمدح بها الشريف زيد بن محسن، أولها:

يا مَيُّ حَيَّى الحَيْاَ أحْيَا مُحَيَّاكِ ... هلاَّ بأعْتابِ عُتْبَى فَاهَ لي فَاكِ

مَن لي إليك وقد أوْدَى صُدودُك بي ... ولا تَزالِين طَوْعاً لَيَّ أفَّاكِ

يا هذه لم أزَلْ مِن بُعْدِها ودُنُوِّ ... السُّقْمِ من بَعْدِها مَوْثوقَ أشْرَاكِ

تِيهِي أَطِيلي التَّجنِّي والجَفَاءَ وما ... أرَدْتِ فاقْضِيه بي فالُحسْنُ وَلاَّكِ

رِفْقاً رُويْداً كأني بالعَذُولِ على ... تَطاوُلِ الصَّدِّ في ذا الصَّبِّ أغْراكِ

منها:

حَسْبي دليلاً على شوقي المُبرِّح بي ... أنِّي لَثَمْتُ عَذُولِي حين سَمَّاكِ

والجَفْنُ في أرَقٍ والقلبُ في حُرَقٍ ... والعينُ في غَرَقٍ إنْسانُها باكِي

يا مُهجةَ الصَّبِّ غير الصَّبْرِ ليس وقد ... جَنَتْ عليك بما لاقيتِ عَيْناكِ

منها في المديح:

قد زاد في شرفِ البَطْحاءِ أنَّك في ... جِيرانِها خَيْرُ فَعَّالٍ وتَرَّاكِ

مُولِي الجميل ومَنْجاةُ الدَّخِيلِ ومَنْ ... حاةُ الخَذِيلِ سَرِيُّ عَيْنِ أمْلاكِ

قوله في مطلع القصيدة: فاه لي فاك، جرى فيه على اللغة الضعيفة، وهي لزوم الألف للأسماء الخمسة في جميع الحالات، كقوله:

إنَّ أبَاها وأبا أباهَا

ومن شعره قوله:

لا تُضيِّعْ سَبَهْلَلاً فُرَصَ الْ ... عمرِ بلا طاعةٍ ولا تتعلَّمْ

سوف يَدْرِي الجَهْولُ عند انْقضا ... ءِ العمرِ سُدىً كيف ضاع فيَنْدَمْ

عبد الرحمن بن عيسى المرشدي مفتي القطر الحجازي وعالمه، وصدره الذي قامت به معالمه.

جواد قلمه في ميدان الطرس مرخي العنان، وشرح نموذج حاله أجلى وأظهر من العيان.

سلم له من كل فنٍ أهل حله وعقده، وأذعن لبلاغته من كل صوبٍ جهابذة نقده.

وألقت إليه الفصاحة مقاليدها، وكتبت رؤساء البراعة باسمه تقاليدها.

وهو الطود رصانةً، والطور رزانةً.

بعلمه يقتدى، وبحلمه يهتدى.

وكان عصره يربو على العصور شرفاً، ويرتقي من المعالي فنناً وشرفاً.

بضروبٍ من المآثر والمفاخر، ازدانت بها الأوائل والأواخر.

يحديها حادي الرفاق، على مطالع الإشراقين من الآفاق.

حتى سمعتها كل أذن صما، ورأتها كل عينٍ عميا.

وكان حماه للقصاد قبلة، وما أظن أحداً بلغ مثل شأنه قبله.

يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا، وينشد ببابه تمام الحج أن تقف المطايا.

وله من الآثار ما هو في مسامع النبغاء شنف، وفي مجامع البلغاء روضٌ أف.

ومن خبره على ما نقل ابن معصوم، أنه لم يزل ممتطياً صهوة العز المكين، راقياً ذروة طود الجاه الركين.

لا يقاس به قرين، ولا تطأ آساد الشرى له عرين.

إلى أن تولى الشريف أحمد بن عبد المطلب مكة المشرفة، ورفل في حلل ولايتها المفوقة.

وكان في نفسه من الشيخ المشار إليه ضغن، حل بصميم مهجته وما ظعن.

فأمر أولاً بنهب داره، وخفض محله ومقداره.

ثم قبض عليه قبض المعتمد على ابن عمار، وجزاه الدهر على يديه جزاء سنمار.

إلاأن المعتمد أعض ابن عمار بالحسام الأبيض، وهذا طوقه هلال فترٍ من أنامل عبدٍ أسود، فجرعه كأس الموت الأحمر.

وكان قد أبقاه في محبسه إلى ليلة عرفة، ثم خشي أن يسعى في خلاصه من أكابر الروم من عرفه.

فوجه إليه بزنجيٍ أشوه خلق الله خلقا، وتقدم إليه بقتله في تلك الليلة خنقا.

فامتثل أمره فيه، وجلله من برد الهلاك بضافيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>