فأقفرت لموته المدارس، وأصبحت ربوع الفضل وهي دوارس.
وذلك في عام سبع وثلاثين والف.
ومن الاتفاق أن الشريف المذكور قتل هذه القتلة بعينها، حين تقاضت منه الليالي ما سلفت من دينها.
وفي الأثر: كما تدين تدان، وهذا حال الدهر مع كل قاصٍ ودان.
وهذا حين أتلو من آياته، وأثبت ما يدل على بعد غاياته.
فأعظمها قصيدته التي مدح بها الشريف حسنا، وابنه أبا طالب، مهنياً لهما بالظفر بأهل شمر، وهو جبل بنجد:
نَقْعُ العَجاجِ لَدَى هَياجِ العِثْيَرِ ... أذْكَى لدَيْنا من دُخانِ العَنْبَرِ
وصَلِيلُ تجْريدِ الحُسامِ ووَقْعُه ... في الْهامِ أجْدَى نَغْمةً من جُؤْذُرِ
وسَنَا الأسِنَّةِ لاَمِعاً في قَسْطَلٍ ... أسْنَى وأسْمَى من مُحَيّاً مُسْفِرِ
وتَسَرْبُلٌ في سابِغاتِ مُزَرَّدٍ ... أبْهَى علينا من قَباءٍ عَبْقَرِي
وتتَوُّجٌ بقَوانِسٍ مَصْقولَةٍ ... أزْهَى علينا من سَدُوُسٍ أخْضَرِ
وكذاك صَهْوةُ سابِحٍ ومُطهَّمٍ ... أشْهَى إلينا مِن أَرِيكةِ أحْوَرِ
ولِقَا الْكَمِيِّ مُدَرَّعاً في مِغْفَرٍ ... كلِقَا الغَرِيرِ بمِقْنَعٍ وبِمخْمَرِ
ألِفَتْ أسِنَّتُنا الورُودَ بمَنْهَلٍ ... عَلقتْ به عَلَقَ النَّجِيعِ الأحْمَرِ
وسيوفُنا هجَرتْ جِوارَ غُمودِها ... شَوْقاً لِهامَةِ كلِّ أصْيَدَ أصْعَرِ
فتَخالُها لمَّا تُجرَّد عندما ... هاج القَتامُ بَوارِقاً بِكَنَهْوَرِ
وصَهِيلُ جُرْدِ الخيلِ خِيلَ كأنه ... رَعْدٌ يُزَمْجِرُ في الْجَدَى المُثْعَنْجِرِ
ودمُ العِدَى مُتقاطِراً مُتدفِّقاً ... كالوَبلِ كالسيلِ الجُرافِ الْجِوَّرِ
ورُءوسُهم تجْرِي به كجَنادِلٍ ... قذَفْت به مَوْجُ السيولِ الهُمَّرِ
غَشِيَتْهُمُ في العامِ مِنَّا فِرقةٌ ... تركتْ فَرِيقَهم كسَبْسَبِ مُقْفِرِ
أوْدَتْهُمُ قَتْلاً وأجْلَتْهم إلى ... أن حطَّم الهِنْدِيُّ ظَهْرَ المُدْبِرِ
تركتْ صَحاراهُم مَوائِدَ ضُمِّنَتْ ... أشْلاءَ كلِّ مُسَوَّدٍ وغَضَنْفَرِ
ودَعتْ ضُيوفَ الوحشِ تَقْرِيهمْ بما ... أفْنَى المُهَنَّدُ والوَشِيجُ السَّمْهَرِي
فأجَابها من كلِّ غِيلٍ زُمْرَةٌ ... تحْدُو مَنارَ عَمَلَّسٍ أو قَسْوَرِ
وأظلَّها ظُلَلٌ نِشَاصُ سَحابِها الْ ... مرْكومِ أجْنحةُ البُزاةِ الأنْسُرِ
فبَراثِنُ الآسادِ تضْبثُ في الكُلَى ... ومَخالبُ العِقْبان تنشَب في المَرِي
شكَرتْ صَنيعَ المَشْرَفيَّةِ والْقَنا ... إذْ لم تَضِفها الهُبْرَ غيرَ مُهَبَّرِ
فغَدتْ قبورُهمُ بطونَ الوَحْشِ مِنْ ... ها يُبعَثون إذا دُعُوا للمَحْشَرِ
وخلَتْ ديارُهمُ وأقْوَى رَبْعُهمْ ... وسَرى السَّريُّ مُشَمِّراً عن شمّرِ
أنِفَتْ من اسْتقْصاءِ قَتْلِ شَرِيدِهمْ ... كَيْما يُخبِّرَ قائلاً مِن مَخْبَرِ
فثَنتْ أعِنَّةُ خَيْلِنا أجْيادَها ... عن قَتْلِ كلِّ مُزَنَّدٍ وحَزَوَّرِ
حتى إذا حان القِطافُ لِيانِعٍ ... من أرْؤُسٍ تُرِكتْ ولَمّا تُؤْبَرِ
عصفَتْ بها رَيْبُ المَنُونِ فأُلْقِحتْ ... وتحرَّكتْ بزِعَازِعٍ من صَرْصَرِ
فدعَتْ سُراةَ كُماتِنا لِقطافِها ... بأناملِ القصَبِ الأصَمِّ الأسْمَرِ
فتجهَّزتْ لحَصادِها في فَيْلَقٍ ... لو يسْبَحون بزَاخرٍ لم يَزْخَرِ
مَلأٌ تنُوق إلى الكفاحِ نُفوسُهم ... تَوَقَانها لِلِقَا الرَّداحِ المُعْصِرِ