للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسلِّمين لما قد حُزْتَ من أدبٍ ... مُصدِّقين بما شُرِّفْتَ من خُلُقِ

مَهْلاً فبَاعِي من التْقصيرِ في قِصَرٍ ... وأنت في الطّوْلِ والإحْسانِ ذو عُمقِ

سبحان بارىءُ هذِي الذاتِ من هِمَمٍ ... سبحان فاطرُ ذا الإنْسان من عَلَقِ

يا ليتَ شِعْرِيَ هل شِبْهٌ يُرَى لكمُ ... كلاَّ وربِّي ولا الأمْلاكُ في الخُلُقِ

عُذْراً فما فِكْرتي صَوَّاغةً دُرَراً ... حتى أصُوغَ لك الأسْلاك في نَسَقِ

واسْلَمْ ودُمْ وتعالى في مَشِيد عُلاً ... تسْتنْزِل الشُّهْبَ للإنْشا فلم تُعَقِ

وقوله في صدر كتاب:

بحقِّ الوفَا بالوُدِّ بالشِّيمةِ التي ... عُرِفْتم بها بالجودِ والكرمِ الجَمِّ

بتلك الخِصالِ الأشْرفيَّاتِ بالنُّهى ... بِعزَّتك العَلْيا على قِمّةِ النّجْمِ

بذاك المُحَيَّا الهَشِّ بالمنطِقِ الشَّهِي ... بما فيك من خُلْقٍ رضِيٍ ومن عَزْمِ

أجِرْنِي من التكْليفِ واقْبِلْ تحيَّتِي ... بتقْبيل أرضٍ لم تزَلْ مُنْتهى هَمِّي

فدهرِي من الإسْهابِ أمْنَعُ مانِعٍ ... ووقْتِي عن الإطْنابِ أضْيَقُ من سَمِّ

وماذا عسَى في الوصفِ يبلُغ مِقْوَلي ... ولو مُدَّتِ الأقْلامُ من مَدَدِ اليَمِّ

محمد علي بن محمد بن علان الصديقي علمٌ حديث فضله أحسن الحديث، وإليه انتهى في قطر الحجاز فن التحديث.

فهو سباق غايته، حامل رايته، وحافظه الذي ملك جل روايته ودرايته.

شرح الله لتحفظه صدره، وأعلى به في الخافقين قدره.

فحدث إذا حدث عن البحر ولا حرج، وانظر روضةً من رياض الجنة طيبة الأرج.

إلى ما حوى من فنون أربى فيها على حلفائه، وهناك حسن حالٍ مع الله ألحقه بأتقياء الدين وحنفائه.

تتعظ به النفوس في التكلم والسكوت، ودعوته لا تحجب عن الملك والملكوت.

وله تصانيف تشنف بها آذانٌ ومسامع، وودت صحائف الأذهان لو أنها لها دفاتر ومجامع.

وله شعرٌ ربما أجاد فيه، فلم يحك مثاله من الزلال العذب صافيه.

فمنه قوله:

وزمزمَ قالوا فيه بعضُ مُلوحةٍ ... ومنه مِياهُ العَيْنِ أحْلَ وأمْلَحُ

فقلت لهم قلبي يَراها مَلاحةً ... فما برِحتْ تحلُو لقلبِي وتمْلُحُ

وقوله:

يا ربِّ أنت حبسْتَ الحُسنَ في قمرٍ ... حُلْوِ الشَّمائلِ لا يرْثِي لمن عَشِقَهْ

أكاد أدعو عليه حين يهجُرني ... لكنْ لِفَرْطِ غرامي تمنْعُ الشَّفقَهْ

وقوله:

يا مالِكاً رِقَّ قلبي ... رِفْقاً بنفْسِ رَفِيقِكْ

اللهُ بيني وبين السَّ ... واكِ في رَشْفِ رِيقِكْ

وقوله:

يا مَن يلوم مُحِبّاً ... ولا يُراعِي الجمالاَ

باللهِ دَعْنِي فإنِّي ... لقد فَنِيتُ انْتحالاَ

وقوله مضمناً:

كتَبْتُه ولهيبُ الشوقِ في كَبِدِي ... والدمعُ مُنْسَكِبٌ والبالُ مَشْغولُ

وقلتُ قد غاب مَن أهْواه وَا أسَفِي ... بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبُولُ

ومن زهرياته، قوله في عقد الحديث:

إذا أمْسَيْتَ فابْتدِرِ الصَّباحَا ... ولا تُمْهِلْه تنْتظرُ الصِّياحَا

وتُبْ ممَّا جَنَيْتَ فكم أناسٍ ... قَضَوْا نَحْباً وقد ناموا صِحاحَا

ومما يعجب في هذا المعنى قول الشهاب:

ألا أيُّها المغرورُ في نومِ غَفْلةٍ ... تيَقَّظْ فإن الدهرَ للناس ناصِحُ

فكم نائمٍ في أوَّلِ الليلِ غافلٍ ... أتاه الرَّدَى في نَوْمِه وهْو صَابِحُ

فشَقَّ عليه الليلُ جَيْبَ صَباحِه ... وقامتْ عليه للطيورِ نَوائِحُ

وأنشد له بعضهم هذه الأبيات، وهي قوله:

الموتُ بحرٌ مَوْجُه طافحُ ... يغْرَق فيه الماهرُ السابِحُ

وَيْحَكِ يا نفسُ قِفِي واسْمعِي ... مَقالةً قد قالها ناصحُ

ما ينفعُ الإنسانَ في قبرِه ... إلاّ التقى والعملُ الصالحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>