للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً خلق القلفة وإزالتها بعد ذلك قد وقع لغيره صلى الله عليه وسلم، كابراهيم عليه السلام فلو وجدت فيه صلى الله عليه وسلم ثم أزيلت لم يكن في ذلك كبير مزية بخلاف الشق المذكور، وإخراج العلقة المذكورة.

نعم، يرد على كلام السبكي، حيث قرر أنه لم يكن للشيطان حظ منه صلى الله عليه وسلم، وأن خلق العلقة فيه لتكميل الخلق، أنه لا معنى لإزالتها بعد ذلك، حيث لم تكن منه صلى الله عليه وسلم مظنةٌ له، فلا يتم حينئذ ما قرره على ذلك النمط.

هذا ما لاح، ودعا إليه الفلاح قلت: فيه مناقشة أما نقله الاختلاف في كونه ولد مختوناً، فلم يكن إليه داع، إذ الإشكال إنما هو واردٌ على مقابله، فلا معنى لنفي الاعتراض.

ودعوى كون العلقة من الأجزاء التي لا يمكن بقاء الحياة بدونها ممنوعة.

وما أورد على كلام السبكي، ليس بواردٍ عليه، فإن في إزالتها مع منع الشيطان عنها حكمةً هي قطع وصوله إليه.

ولقد أجاد الشهاب الخفاجي في تعليله الشق بقوله:

شُقَّ منه صَدْرٌ فأُخْرِج منه ... عَلَقةٌ في صَمِيمِه سَوْداءُ

وبه تَمَّ خَلْقُه وتَقَوّى ... قلبُه فِطْرَةً وزاد النّماءُ

فلِذا حاز جُرْأةً في اعْتدالٍ ... وله حَبَّب الفتاةَ الفَتاءُ

ما انْتفتْ هذه لتُكمْل خَلْقاً ... نُكْتةٌُ ما اهْتدَى لها الحُكماءُ

فعلى القلبِ دِرْعٌ عَزْمٍ حَصِينٌ ... ولِلُبٍ عليه لاَمٌ وبَاءُ

ومن شعر القاضي محمد قوله:

سلامٌ على الدارِ التي قد تباعدَت ... ودمعي على طولِ الزمانِ سَفُوحُ

يعِزُّ علينا أن تشِطّ بنا النَّوَى ... ولِي عندكم دُون البَرِيّةِ رُوحُ

إذا نَسمتْ من جانبِ الرَّمْلِ نَفْحةٌ ... وفيها عَرارٌ للغُوَيْر وشِيحُ

تذكّرتُكم والدمع يستُر مُقْلتي ... وقلبي مَشُوقٌ بالبِعاد جَرِيحُ

فقلتُ ولِي من لاَعِجِ الشوقِ زَفْرةٌ ... لها لَوْعةٌ تَغْدُو بها وتَرُوحُ

ألا هل يُعيد اللهُ أيَّامَنا التي ... نَعِمْنا بها والكاشِحون نُزُوحُ

وقوله أيضاً، في جواب كتابٍ ورد إليه:

هذا كتابُك أم دُرٌّ بمُتّسِقِ ... أم الدَّرارِي التي لاحتْ على الأُفُقِ

وذا كلامُك أم سِحْرٌ به سُلِبَتْ ... نُهَى العقولِ فتتْلُو سورةَ الفَلَقِ

وذا بيانُك أمو صهْباءُ شَعْشَعَها ... أغَنُّ ذو مُقْلةٍ مكحولةِ الحَدْقِ

بتاجِ كلِّ مَلِيكٍ منه لامعةٌ ... وجِيدِ كلِّ مُجيدٍ منه في أُفُقِ

رَوْضٌ من الزهْرِ والأنوارُ زاهيةٌ ... كأنْجُمِ الأُفْقِ في اللأّلاءِ والنّمقِ

وذِي حمائمُ ألْفاظٍ سَجَعْنَ ضُحىً ... على الخمائلِ تحت العارِضِ الغَدِقِ

رسالةٌ كفَراديسِ الجِنانِ بها ... من كل مؤتلق يلهى ومنتشق

كأنما الالفات المائدات بها ... غصونُ بانٍ على أيْكٍ من الوَرِقِ

تعْلُو مَنابرَها الهَمْزاتُ صادِحةً ... كالوُرْقِ ناحَتْ على الأفْنانِ من حُرَقِ

مِيماتُها كثُغورٍ يبْتسِمْنَ بما ... يُزْرِي على الدُّرِّ إذْ يُزْهِي على العُنُقِ

فطِرْسُها كبَياضِ الصُّبْح من يَقَقٍ ... ونِقْسُها كَسوادِ الليلِ في غَسَقِ

يا ذَ الرَّسالة قد أرْسلْت مُعْجِزةً ... رَدَّت بلاغتُها الدَّعْوَى من الفرقِ

ويا مَلِيكَ ذوِي الآدابِ قاطِبةً ... ويا إماماً هَدانا أوْضح الطُّرُقِ

مَن ذا يُعارِض ما قد صاغ فكرُك مِن ... حَلْي البيَانِ ومَن يقْفوك في السَّبقِ

أنت المُجَلَّى بمضْمارِ العلومِ إذا ... أضْحَى قُرومِ أُلِي التحْقيقِ في قَلَقِ

صَلَّى أئمةُ أهلِ الفضلِ خَلْفَك يا ... مَوْلى المَوالي وربَّ المنطقِ الذّلِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>